شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الحجامة من الداء

          ░13▒ بابُ الحِجَامَةِ مِنَ الدَّوَاءِ.
          فيه: أَنَسٌ: (أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَجْرِ الْحَجَّامِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ النَّبيُّ صلعم حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَمْثَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ، / وَقَالَ: لا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بِالْغَمْزِ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْقُسْطِ). [خ¦5696]
          وفيه: جَابِرٌ: (أَنَّهُ عَادَ الْمُقَنَّعَ، ثُمَّ قَالَ: لَا أَبْرَحُ حتَّى تَحْتَجِمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: إِنَّ فِيهِ الشِفَاء). [خ¦5697]
          قال الطَّبري: إن(1) قال قائل: قولُه صلعم: (إِنْ أَمْثَلَ(2) مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الحِجَامَةَ) و(إِنَّ فِيْهِ الشِّفَاءَ) هل هو على العموم أو الخصوص، فإن قلت: إنَّها على العموم فما أنت قائل فيما روى ابن عُليَّة عن ابن عون عن ابن سيرين أنَّه قال: إذا بلغ الرجل أربعين لم يحتجم، قال ابن عون: فتركت الحجامة وكانت نعمة مِن الله، وإن قلت: هي على الخصوص، فما الدَّليل على ذلك؟.
          قال الطَّبري: فالجواب أنَّ أمر النَّبيِّ صلعم بذلك أمَّته إنَّما هو ندب لا إيجاب وهو عامُّ فيما ندبهم إليه مِن معناه، وذلك أنَّه أمرَهم بالحجامة حضًّا منه لهم على ما فيه نفعُهم، ودفع ما يُخاف مِن غائلة الدَّم على أجسامِهم إذا كثُر وتَبَيَّغَ، فندبهم إلى استعمال ذلك في الحين الَّذي إخراجُه فيه صلاح لأبدأنهم، وقد بيَّن ذلك ◙ في خبر حُمَيد عن أنس أنَّه صلعم قال(3): ((إِذَا هَاجَ بِأَحَدِكُمُ الدَّمُ فَلْيَحْتَجِمْ، فَإِنَّ الدَّمَ إذَا تَبَيَّغَ بِصَاحِبِهِ قَتَلَهُ)) وغير بعيد ما رُوي عن ابن سيرين مِن نهيِه ابن أربعين سنة عن الحجامة، وذلك أنَّه في انتقاص مِن عمرِه وانحلال مِن قوى جسمِه، وفي ذلك غناء له عن معونتِه عليه بما يزيدُه وهنًا على وهن، إلا أن يَتَبَيَّغ به الدَّم حتَّى يكون الأغلب مِن أمرِه خوف الضَّرر بترك(4) إخراجِه فيحقُّ عليه حينئذ إخراجُه والأخذ بما ندبَه إليه نبيُّه صلعم.
          و(الغَمْزُ) العَصْر باليد.


[1] في (ص): ((فإن)).
[2] في (ص): ((قول النَّبي أمثل)).
[3] في (ص): ((أنه قال ◙)).
[4] في (ص): ((بتركه)).