شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا صفر

          ░25▒ بابُ لَا صَفَرَ وَهُو دَاءٌ يَأْخُذُ البَطْنَ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَا عَدْوَى وَلَا صَفَرَ وَلَا هَامَةَ، قَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُولَ الله، فَمَا بَالُ الإِبِلِ تَكُونُ فِي الرِّمَالِ كَأنها الظِّبَاءُ فَيَأْتِي الْبَعِيرُ الأجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا؟ فَقَالَ: فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ). [خ¦5717]
          قال الطَّبري: ذكر أبو عُبيدة مَعْمر بن المثنَّى قال: سمعت يونس الجَرْمي سأل رُؤْبة بن العجَّاج عن الصَّفَر، فقال: هي حبَّة تكون في البطن تصيب الماشية والنَّاس، وهي أعدى مِن الجرب عند العرب.
          ويقال إنَّ قولَه: (لَا صَفَرَ) إبطال ما كان أهل الجاهلية يفعلونَه مِن تأخير المحرَّم إلى صَفَر في التَّحريم، وقد روي عن مالك مثل هذا القول.
          قال الطَّبري: والصَّواب عندي ما قال رُؤْبة، ويدلُّ على صحَّة قوله قول الأعشى:
وَلَا يَعَضُّ عَلَى شُرْسُوفِهِ الصَّفَرُ
          وقال(1) ابن وهب: كان أهل الجاهليَّة يقولون إنَّ الصَّفار الَّتي في الجوف تقتل صاحبَها، فردَّ ذلك رسول الله صلعم وقال: ((لَا يَمُوتُ أَحَدٌ إِلَّا بِأَجَلِهِ)) وقد فسَّر جابر بن عبد الله مثلَه وهو رواي الحديث عن النَّبي صلعم.
          قال الطَّبري: وقولُه: (لَا هَامَةَ) فإنَّ الهَامَةَ طائر كانت العرب تسمِّيه الصَّدى، وقيل أنَّه ذكر البوم، وأشبه عندي بالصَّواب مَن قال أنَّه ذكر البوم، وإنَّما أراد(2) صلعم بقولِه: (وَلَا(3) هَامَةَ) إبطال ما كان أهل الجاهليَّة يقولونَه في ذلك، وذلك أنَّهم كانوا يقولون: إذا قُتل الرَّجلُ فلم يطلب وليُّه بدمِه ولم(4) يثأر به خرج مِن هامتِه طائر يُسمى الهامَة فلا يزال يزفر عند قبرِه حتَّى يثأر به.
          وقد تقدَّم معنى قولِه: (لَا عَدْوَى) في باب الجُذَام، ونذكر هاهنا طرفًا منه، قال ابن قتيبة: والعدوى جنسان: عدوى الجُذام، والطَّاعون، فأمَّا عدوى الجذام فإنَّ المجذوم تشتدُّ رائحتُه حتَّى يُسْقِمَ مَن أطال مجلسَه معَه ومؤاكلتَه، وربَّما جَذِمَت امرأتُه بطول مضاجعتِها(5) له وربَّما نزع أولادُه في الكبر إليه، وكذلك مَن كان به سِلٌّ، والأطباء يأمرون(6) أن لا يجالس المسلول ولا المجذوم ولا يريدون بذلك معنى العدوى وإنَّما يريدون بذلك تغيُّر الرَّائحة وأنَّها تُسقِم مَن أطال اشتمامَها، والأطباء أبعدُ النَّاس مِن الإيمان بيُمْنٍ أو شُؤْمٍ.
          وكذلك الجرب الرَّطب يكون بالبعير فإذا خالط الإبل وحاكَّها أو أوى(7) في مباركِها وصل إليها بالماء الَّذي يسيل منه نحوًا ممَّا به؛ فلهذا المعنى نهى رسول الله صلعم أن: لا يورد(8) يورد ذو عاهة على مُصِحٍّ كراهة(9) أن يخالط ذو العاهة الصَّحيح فينالَه مِن حكَّتِه ودائِه نحوٌ(10) ممَّا به، وقد ذهب قوم إلى أنَّه أراد بذلك ألا يُظَنَّ أنَّ الَّذي نال إبلَه مِن ذي العاهة فيأثم، وسيأتي الكلام في الطَّاعون في باب مَن خرج مِن أرض لا تلائمُه(11) بعد هذا إن شاء الله تعالى(12).


[1] في (ص): ((قال)).
[2] زاد في (ص): ((النَّبي)).
[3] في (ص): ((لا)).
[4] في (ص): ((ولا)).
[5] في (ص): ((مصاحبتها)).
[6] في (ص): ((تأمر)).
[7] في (ص): ((وأوى)).
[8] في المطبوع: ((أن يورد)).
[9] في (ص): ((كراهية)).
[10] في (ص): ((نحواً)).
[11] قوله: ((لا تلائمه)) ليس في (ص).
[12] قوله: ((إن شاء الله تعالى)) ليس في (ص).