شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الرقى بفاتحة الكتاب

          ░33▒ بابُ الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ.
          فيه: أَبُو سَعِيد: (أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبي صلعم أَتَوْا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَلَمْ يَقْرُوهُمْ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ لُدِغَ سَيِّدُهم فَقَالُوا: هَلْ مَعَكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ فَقَالُوا(1): إِنَّكُمْ لَمْ تَقْرُونَا، وَلا نَفْعَلُ حتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا، فَجَعَلُوا لَهُمْ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ، فَجَعَلَ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ(2)، وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ، فَأَتَوْا بِالشَّاءِ، فَقَالُوا: لا نَأْخُذُهُ حتَّى نَسْأَلَ النَّبيَّ صلعم فَسَأَلُوهُ، فَضَحِكَ فقَالَ(3): وَمَا أَدْرَاكَ أنها رُقْيَةٌ؟ خُذُوا وَاضْرِبُوا لي بِسَهْمٍ). [خ¦5736]
          فيه: جواز الرُّقى بفاتحة الكتاب وهو يردُّ ما روى شعبة عن الرُّكَين(4) قال: سمعت القاسم بن حسَّان يحدِّث عبد الرَّحمن بن حرملة عن ابن مسعود: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ(5) صلعم كَانَ يَكْرَهُ الرُّقَى إِلَّا بِالمُعَوَّذَاتِ)).
          قال الطَّبري: وهذا حديث لا يجوز الاحتجاج بمثلِه(6) في الدِّين إذ في نَقَلَتِه مَن لا يُعرف، ولو كان صحيحًا لكان إما غلطًا أو منسوخًا لقولِه صلعم فيه: (مَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ) فأثبت أنَّها رقية بقولِه هذا، وقال: (اِضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ) وإذا جازت الرُّقية بالمعوِّذتين وهما سورتان مِن القرآن كانت الرُّقية بسائر القرآن مثلُها في الجواز؛ إذ كلُّه قرآن.
          وقال(7) المهلَّب: في {الحَمْدُ لِلهِ}[الفاتحة:2]مِن معنى الرُّقى شبيه بمعنى ما في المعوِّذات منه وهو قولُه: {وَإِيَّاكَ(8) نَسْتَعِيْنُ}[الفاتحة:5]والاستعانة به ╡ في ذلك دعاء في كشف الضُّرِّ وسؤال الفرج، وقد بيَّنا هذا المعنى في كتاب الإجارة في باب أخذ الأجرة على الرُّقى وذكرنا معنى قوله ◙: (مَا يُدْرِيْكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ) والاختلاف في جواز أخذ الأجرة على الرُّقى؛ فلذلك تركنا باب الشَّرط في الرُّقية بقطيع مِن الغنم إذ أغنى عنه ما تقدَّم في كتاب الإجارة.


[1] في (ص): ((قالوا)).
[2] في (ص): ((الكتاب)).
[3] في (ص): ((وقال)).
[4] في (ز) و(ص): ((الزكي)) وهو تصحيف والصواب المثبت.
[5] في (ص): ((النَّبي)).
[6] في (ص): ((به)).
[7] في (ص): ((قال)).
[8] في (ص): ((إياك)).