شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب نفقة القيم للوقف

          ░32▒ باب: نَفَقَةِ الْقَيِّمِ لِلْوَقْفِ
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبيَّ صلعم(1) قَالَ: (لا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَؤُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ). [خ¦2776]
          وفيه: ابْنُ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَطَ في وَقْفِهِ أَنْ يَأْكُلَ مَنْ وَلِيَهُ وَيُؤْكِلَ صَدِيقَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مَالًا. [خ¦2777]
          إنَّما أراد البخاريُّ بقوله (بَاب(2) نَفَقَةِ القَيِّمِ لِلْوَقْفِ) والله أعلم أن يبيِّن أنَّ المراد بقوله ◙: (مَؤُونُةُ عَامِلِي) أنَّه عامل أرضه التي أفاءها الله عليه من بني النضير وفدكٍ وسهمه من خيبر، وليس عامله حافر(3) قبره كما تأوَّل بعض الفقهاء، واستشهد على ذلك البخاريُّ بحديث عمر الذي أردفه بعده أنَّه شرط في وقفه أن يأكل من وليه بالمعروف.
          فبان بهذا أنَّ العامل في الحبس له منه أجرة عمله وقيامه عليه، وليس ذلك بتغييرٍ للحبس ولا نقضٍ لشرط المحبس إذا حبس على قومٍ بأعيانهم، لا غنى عن عامل يعمل للمال، وفي هذا من الفقه جواز أخذ أجرة القسَّام من المال المقسوم، وإنَّما كره العلماء أجر القسَّام؛ لأنَّ على الإمام أن يرزقهم من بيت المال؛ فإن لم يفعل فلا غنى بالناس عن قاسمٍ يقسم بينهم، كما لا غنًى عن عاملٍ يعمل في المال، وممَّا يشبه هذا المعنى ما روى ابن القاسم عن مالكٍ، في الإمام يذكر له أنَّ ناحيةً من عمله كثيرةُ العشور قليلةُ المساكين، وناحيةً أخرى قليلةُ العشور كثيرةُ المساكين فهل له أن يتكارى ببعض العشور حتَّى يحملها إلى الناحية الكثيرة المساكين(4) فكره ذلك وقال: أرى أن يتكارى عليه من الفيء أو يبيعه ويشتري هناك طعامًا. وقال ابن القاسم: لا يتكارى عليه من الفيء، ولكن يبيعه ويشتري بثمنه طعامًا.
          وقوله ◙: (مَا تَرَكْتُهُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي، وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ) يبيِّن فساد قول من أبطل الأحباس والأوقاف من أجل أنَّها كانت مملوكةً قبل الوقف، وأنَّه لا يجوز أن تكون ملكًا لمالكٍ ينتقل إلى غير مالكٍ فيقال له: أمَّا أموال بني النضير وفدكٍ وخيبر لم تنتقل بعد وفاة رسول الله صلعم إلى أحدٍ ملكها، بل هي صدقةٌ منه ثابتةٌ على الأيَّام والليالي، تجري عنه في السبل التي أجراها فيها منذ قبض صلعم، فكذلك حكم الصدقات المحرَّمة قائمةٌ على أصولها جاريةٌ عليها فيما سبَّلها فيه صاحبها لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يملك(5).


[1] قوله: ((أَنَّ النبي صلعم)) ليس في (ص).
[2] قوله: ((باب)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((بحافر)).
[4] قوله: ((فهل له أن يتكارى.... الكثيرة المساكين)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يملك)) ليس في (ص).