شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قضاء الوصي ديون الميت بغير محضر من الورثة

          ░36▒ باب: قَضَاء الْوَصِيِّ دُيُونَ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنَ الْوَرَثَةِ
          فيه: جَابِرٌ (أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، فَلَمَّا حَضَرَ جِدَادُ النَّخْلِ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا كَثِيرًا، وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ الْغُرَمَاءُ، قَالَ: اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ على نَاحِيَتِهِ، فَفَعَلْتُ ثُمَّ دَعَوْتُهُ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ أُغْرُوا بِي تِلْكَ السَّاعَةَ، فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ أَصْحَابَكَ، فَمَا زَالَ يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَأَنَا وَاللهِ رَاضٍ أَنْ يُؤَدِّيَ اللهُ أَمَانَةَ وَالِدِي وَلا أَرْجِعَ إلى أَخَوَاتِي بِتَمْرَةٍ، فَسَلِمَ وَاللهِ الْبَيَادِرُ كُلُّهَا حَتَّى أَنِّي أَنْظُرُ إلى الْبَيْدَرِ الذي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلعم كَأَنَّه(1) لَمْ يَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً). [خ¦2781]
          قال المؤلِّف: لا خلاف بين العلماء أنَّ الوصي يجوز له أن يقضي ديون الميت بغير محضر الورثة على حديث جابرٍ؛ لأنَّه لم يحضر جميع ورثة أبيه عند اقتضاء الغرماء ديونهم، وإنَّما اختلفوا في مقاسمة الوصيِّ للموصى له على الورثة، فروى ابن القاسم عن مالكٍ أنَّه قال: تجوز مقاسمة الوصيِّ على الصغار ولا تجوز على الكبير الغائب. وهو قول أبي حنيفة، قال مالكٌ: لا يقاسم على الكبير الغائب إلَّا السلطان. قال أبو حنيفة: ومقاسمة الورثة الورثة(2) على الموصى له باطلٌ، فإن ضاع نصيب الموصى له عند الوصيِّ رجع به على الورثة. وأجازها أبو يوسف وقال: القسمة جائزةٌ على الغيَّب / ولا رجوع لهم على الحضور، وإن ضاع ما أخذ الوصيُّ.
          وقال الطحاويُّ: القياس أن لا(3) يقسم على الكبار ولا على الموصى له؛ لأنَّه لا ولاية له عليهم وليس بوصيٍّ للموصى له.


[1] قوله: ((كأنه)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((الوصي)).
[3] قوله: ((لا)) ليس في (ص).