شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا أومأ المريض برأسه إشارة بينة جازت

          ░5▒ بَاب إِذَا أَوْصى الْمَرِيضُ بِرَأْسِهِ إِشَارَةً بَيِّنَةً جَازَتْ
          فيه: أَنَسٌ: (أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِكِ أَفُلانٌ أَوْ فُلانٌ حَتَّى سمَّى الْيَهُودِيُّ، فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَجِيءَ بِهِ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى اعْتَرَفَ، فَأَمَرَ النَّبيُّ صلعم فَرُضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ). [خ¦2746]
          اختلف العلماء: في إشارة المريض فذهب مالكٌ والليث والشافعيُّ إلى أنَّه إذا ثبتت إشارة المريض على ما يعرف من حضره جازت وصيَّته. وقال أبو حنيفة والثوريُّ والأوزاعيُّ أنَّه إذا سئل المريض عن الشيء فأومأ برأسه أو بيده فليس بشيءٍ حتَّى يتكلَّم.
          قال أبو حنيفة: وإنَّما تجوز إشارة الأخرس أو من مرَّت عليه سنَّة لا يتكلَّم، وأمَّا من اعتقل لسانه ولم يدم به ذلك. فلا تجوز إشارته.
          واحتجَّ الطحاويُّ عليه بحديث أنسٍ أنَّ النبيَّ صلعم رضَّ رأس اليهوديِّ بين حجرين بإشارة المرضوضة.
          قال الطحاويُّ: فجعل رسول الله صلعم إشارتها بمنزلة دعواها ذلك بلسانها من غير اعتبار دوام ذلك عليها مدَّة من الزمان، فدلَّ على أنَّ من اعتقل لسانه فهو بمنزلة الأخرس في جواز إقراره بالإيماء والإشارة(1)، وقد ثبت ((أنَّ النبيَّ صلعم صلى وهو قاعد فأشار إليهم فقعدوا)).
          واحتجَّ الشافعيُّ بأنَّه قد أصمتت أمامة بنت أبي العاص فقيل لها: لفلانٍ / كذا ولفلانٍ كذا؟ فأشارت أن(2) نعم. فنفذت وصيتها.
          قال المُهَلَّب: وأصل الإشارة في كتاب الله تعالى في قصة مريم: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} يعني سلوه، فـ {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا}(3)[مريم:29]وقوله تعالى: {أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا}[آل عِمْرَان:41].


[1] في (ص): ((إقراره بالإيمان)).
[2] في (ص): ((أي)).
[3] قوله: ((فـ{قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا})) ليس في (ص).