شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}

          ░35▒ باب: قَوْلِ اللهِ ╡: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ(1)} إلى {وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ(2) الْفَاسِقِينَ}[المائدة:106-108]
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَمَاتَ السَّهْمِيُّ بِأَرْضٍ لَيْسَ فيهَا مُسْلِمٌ، فَلَمَّا قَدِمَنا بِتَرِكَتِهِ فَقَدُوا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ مُخَوَّصًا(3) مِنْ ذَهَبٍ، فَأَحْلَفَهُمَا / رَسُولُ اللهِ صلعم، ثُمَّ وُجِدَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا: ابْتَعْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ وَعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ، فَقَامَ رَجُلانِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ فَحَلَفَا: لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنَّ الْجَامَ لِصَاحِبِهِمْ، قَالَ: وَفِيهِمْ(4) نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ(5)}. [خ¦2780]
          قال المؤلِّف: اختلف أهل التأويل في معنى هذه الآية فروي عن ابن عبَّاسٍ أنَّه أجاز شهادة أهل الكفر على المسلمين في الوصيَّة في السفر. وأخذ بذلك الحديث الشَّعبيُّ وابن المسيِّب وجماعةٌ من التابعين، ورأوا الآية محكمةً غير منسوخةٍ. وقالت طائفةٌ: الآية منسوخةٌ. وهو قول مالكٍ والكوفيِّين والشافعيِّ، واحتجُّوا بقوله تعالى: {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء}[البقرة:282]، وقالوا: لا يكون أهل الكتاب عدولًا ولا(6) ممَّن تُرضَى شهادته. وقد تقدَّمت هذه المسألة في آخر كتاب(7) الشهادات وما فيها للعلماء فأغنى عن إعادته(8). [خ¦2685]
          وروى ابن جُريجٍ عن عِكْرِمَة في هذه الآية قال: كان تميم الداريُّ وأخوه نصرانيَّين وهما من لَخمٍ، وكان متجرهما إلى مكَّة، فلمَّا هاجر رسول الله صلعم إلى المدينة حوَّلا متجرهما إلى المدينة(9) فقدم ابن أبي(10) مارية مولى عَمْرو بن العاص المدينة وهو يريد الشام تاجرًا، فخرجوا جميعًا حتَّى إذا كانوا ببعض الطريق مرض ابن أبي مارية فكتب وصيَّته بيده، ثمَّ دسها في متاعه، وأوصى إليهما، فلمَّا مات فتحا متاعه فوجدوا فيها أشياء فأخذاها، فلمَّا قدما(11) على أهله فتحوا متاعه فوجدوا وصيَّته قد كتب فيها عهده وما خرجوا به، ففقدوا منه أشياء فسألوهما، فقالا: هذا الذي قبضنا له، فرفعوهما إلى النبيِّ صلعم فنزلت هذه الآية إلى قوله: {إِنَّا إِذًا لَّمِنَ(12) الآثِمِينَ}[المائدة:106]فأمرهما النبيُّ صلعم أن يستحلفوهما بالله الذي لا إله إلَّا هو ما قبضنا غير هذا ولا كتمنا، فمكثا ما شاء الله، ثمَّ ظهر على إناءٍ من فضَّةٍ منقوشٍ بذهبٍ معهما فقالوا: هذا من متاعه، فقالا: اشتريناه منه. فارتفعوا إلى النبيِّ صلعم فنزلت: {فَإِنْ عُثِرَ على أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا}[المائدة:107]من أولياء الميِّت، فأمر رسول الله َ صلعم رجلين من أهل الميِّت فكان يقول: صدق الله ورسوله وبلَّغ، إنِّي لأنا أخذت الإناء.
          والجام إنَّما يشرب به.
          وقولهم: مخوَّصٌ من ذهبٍ(13): أنَّه نُقِش فيه صفة الخوص وطُلِي بالذهب، والخُوص: ورق النخل والمقل.


[1] قوله: ((اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ)) ليس في (ص).
[2] قوله: ((وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ)) ليس في (ص).
[3] في (ص): ((مخوص)).
[4] قوله: ((وفيهم)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((ولا)) ليس في (ص).
[7] قوله: ((كتاب)) ليس في (ص).
[8] قوله: ((وما فيها للعلماء فأغنى عن إعادته)) ليس في (ص).
[9] قوله: ((حولا متجرهما إلى المدينة)) ليس في (ص).
[10] في (ص): ((قدم أبي)).
[11] في (ص): ((قدموا)).
[12] قوله: ((قوله: إِنَّا إِذًا لَّمِنَ)) ليس في (ص).
[13] زاد في (ص): ((يعني)).