شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير}

          ░24▒ باب: قَوْلِ اللهِ تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} إلى آخر(1) الآية[البقرة:220]لأعْنَتَكُمْ: لأحْرَجَكُمْ وَضَيَّقَ، وَعَنَتِ: خَضَعَتْ.
          وَقَالَ نَافِعٍ: مَا ردَّ(2) ابْنُ عُمَرَ على أَحَدٍ وَصِيَّةً، وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ أَحَبَّ الأشْيَاءِ إِلَيْهِ في مَالِ الْيَتِيمِ أَنْ يَجْتَمِعَ نُصَحَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ فَيَنْظُرُون الذي هُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَكَانَ طَاوُسٌ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْيَتيم قَرَأَ: {وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}[البقرة:220]. وقَالَ(3) عَطَاءٌ في يَتَامَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ: يُنْفِقُ الْوَلِيُّ على كُلِّ إِنْسَانٍ بِقَدْرِهِ مِنْ حِصَّتِهِ. [خ¦2767]
          ذكر أبو عبيدٍ عن ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ}[البقرة:220]، قال: لمَّا أنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الآية[النساء:10]كره المسلمون أن يضمُّوا اليتامى إليهم، وتحرَّجوا أن يخالطوهم في شيءٍ، وسألوا النبيَّ عنه فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ(4) وَلَوْ شَاء اللهُ لأعْنَتَكُمْ}[البقرة:220]، يعني لأحرجكم وضيَّق عليكم، ولكنَّه يسَّر ووسَّع فقال: {وَمَن(5) كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:6]، وروى النَّخَعِيُّ عن عائشة قالت: إنِّي لأكره أن يكون مال اليتيم عندي، ألَّا(6) أخلط طعامه بطعامي ولا شرابه بشرابي.
          قال أبو عبيدٍ: والذي دار عليه المعنى من هذا أنَّ الله تعالى لمَّا أوجب النار لآكل أموال اليتامى(7) أحجم المسلمون عن كلِّ شيءٍ من أمرهم حتَّى عن مخالطتهم، فنسخ الله ذلك بالإذن في المخالطة، والإذن في الإصابة من أموالهم(8) بالمعروف إذا كان الوليُّ محتاجًا. قال أبو عبيدٍ: ومخالطة اليتامى أن يكون لأحدهم المال ويشقُّ على كافله أن يفرز طعامه عنه ولا يجد بدًّا من خلطه بعياله، فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنَّه كافيه بالتحرِّي، فيجعله مع نفقة أهله، وهذا قد يقع فيه الزيادة والنقصان، فجاءت هذه الآية الناسخة بالرخصة فيه.
          قال أبو عبيدٍ: وهذا عندي أصلٌ لما يفعله الرفقاء في الأسفار أنَّهم يتخارجون النفقات بينهم بالسويَّة وقد يتساوون في قلَّة المطعم وكثرته(9)، وليس كلُّ من قلَّ طعمه تطيب نفسه بالتفضُّل على رفيقه، فلمَّا كان هذا في أموال اليتامى واسعًا كان في غيرهم أوسع، ولولا ذلك لخفت أن يضيق فيه الأمر على الناس.


[1] قوله: ((وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} إلى آخر)) ليس في (ص).
[2] في (ز): ((ما زاد)) والمثبت من (ص).
[3] في (ص): ((قال)).
[4] قوله: ((فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)) ليس في (ص).
[5] في (ز): ((من)) وفي (ص): ((فمن)) والمثبت من التنزيل.
[6] في (ص): ((لا)).
[7] في (ص): ((مال اليتيم)).
[8] في (ص): ((مالهم)).
[9] في (ص): ((في كثرة المطعم وقلته)).