شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصدقة عند الموت

          ░7▒ باب: الصدقَةِ عندَ الموتِ
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ(1) لِلنَّبِيِّ صلعم: يَا رَسُولَ اللهِ، أيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ تَأْمُلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ، وَلا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ). [خ¦2748]
          قال المُهَلَّب: فيه دليلٌ على أنَّ أفضل الصدقات ما جاهد الإنسان فيه نفسه وغلَّب طاعة الله على شهواته، وجاهدها(2) أيضًا على حبِّ الغنى / وجمع المال.
          وقوله: (إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ) فيه ذمُّ من أذهب طيِّباته في حياته ولم يقدِّم لنفسه من ماله في وقت شحِّه وحبِّ غناه، حتَّى إذا رأى المال لغيره جعل يتبرَّع(3) بالوصيَّة لفلانٍ كذا ولفلانٍ كذا، ويتورَّع عن التبعات والمظالم، وروي عن ابن مسعودٍ في قوله تعالى: {وَآتَى الْمَالَ على حُبِّهِ}[البقرة:177]قال: أن تؤتيه وأنت صحيحٌ شحيحٌ تأمل الغنى وتخشى الفقر.
          وقال قَتادة: يا ابن آدم، اتَّق الله ولا تجمع إساءتين في مالك، إساءةً في الحياة الدنيا وإساءةً عند الموت، انظر قرابتك الذين يحتاجون ولا يرثونك، أوص لهم من مالك بالمعروف. وقال ابن عبَّاس: الضرار في الوصيَّة من الكبائر، ثمَّ قرأ: {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ}[الطلاق:1]. وقال عطاءٌ في قوله تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا}[البقرة:182]قال: ميلًا.
          وقال أبو عبيدة: جورًا عن الحقِّ وعدولًا. وقال طاوسٌ: هو الرجل يوصي لولد ابنته. ويحتمل قول طاوسٍ قد أوصيت لولد ابنتي بكذا، ومعناه أن يريد بذلك ابنته، فذلك مردودٌ بإجماعٍ، فإن لم يرد فوصيَّته له من الثلث.
          ويستحبُّ له أن يوصي لقرابته الذين لا يرثون؛ لقوله(4) صلعم: ((الصدقة على المساكين صدقةٌ، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقةٌ، وصلةٌ)).
          والذي يجب أن يُرَدَّ من الوصيَّة من باب الميل أو الجور(5) الوصيَّة بأكثر من الثلث، والوصيَّة للوارث، والوصيَّة في أبواب المعاصي.


[1] في (ص): ((قيل)).
[2] في (ص): ((وقد جاهدها)).
[3] في (ص): ((يسرع)).
[4] في (ص): ((لقول النبي)).
[5] في (ص): ((الجور والميل)).