شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فهو جائز

          ░34▒ باب: إِذَا قَالَ الْوَاقِفُ لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إلى اللهِ فَهُوَ جَائِزٌ
          فيه: أَنَسٌ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ، قَالُوا: لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إلى اللهِ). [خ¦2779]
          قال المؤلِّف(1): إنَّما قال لهم النبيُّ صلعم(2): (ثَامِنُونِي) أي: اطلبوا ثمن حائطكم منِّي، ليبتاعه لمكان المسجد. فقالوا له: لا نبتغي الثمن فيه إلَّا من الله ╡، فكان ذلك تسليمًا منهم للحائط وإخراجًا له من ملكهم لله ╡، لا يجوز رجوعهم فيه، وأجاز ذلك النبيُّ صلعم، وكان من فعلهم بمنزلة ما لو اشتراه النبيُّ صلعم ووقفه لمكان المسجد.
          فإن قيل: قولهم: (لَا نَطلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ ╡)، ليس من الألفاظ الموجبة للتحبيس والوقف عند الفقهاء، وإنَّما يوجب التحبيس عندهم قوله: هو حبس صدقةٍ، أو حبسٌ مؤبَّدٌ، أو حبسٌ، فقط، عند مالكٍ على ما تقدَّم. [خ¦2770]
          فالجواب: أنَّه لمَّا اقترن بقولهم: (لَا نَطلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللهِ ╡)، ما علموه أنَّ النبيَّ صلعم إنَّما أراد ابتياع الحائط منهم لمكان المسجد، قام ذلك مقام قولهم: هو حبسٌ لله. ولا خلاف أنَّه(3) لو قال رجلٌ: جعلت داري هذه مسجدًا. أنَّها وقفٌ غير مملَّكٍ.
          وقولهم: (لَا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلى اللهِ ╡)، كقولك: طلبت إلى الله، وطلبت من الله بمعنى واحدٍ.


[1] في (ص): ((المهلب)).
[2] قوله: ((النبي صلعم)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((أنه)) ليس في (ص).