شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا تصدق أو أوقف بعض ماله أو بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز

          ░16▒ باب: إِذَا تَصَدَّقَ أَوْ أَوْقَفَ بَعْضَ مَالِهِ أَوْ بَعْضَ رَقِيقِهِ أَوْ دَوَابِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ
          فيه: كَعْبٌ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ. قَالَ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الذي بِخَيْبَرَ). [خ¦2757] [خ¦2758]
          اتَّفق مالكٌ والكوفيُّون والشافعيُّ وأكثر العلماء: أنَّه يجوز للصحيح أن يتصدَّق بماله كلِّه في صحَّته، إلَّا أنَّهم استحبُّوا أن يبقي لنفسه منه ما يعيش به خوف الحاجة وما يتَّقى من الآفات مثل الفقر وغيره(1)؛ لقوله صلعم: (أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ) فحضَّه على الأفضل، وفي هذا حجَّةٌ لمن قال: إنَّ الغنى أفضل من الفقر؛ لقوله صلعم: (فَهُوَ خَيرٌ لَكَ)، وقد ذكرت من خالف ذلك في كتاب الزكاة في باب لا صدقة إلَّا عن ظهر غنًى من كلام الطبريِّ(2). [خ¦1426]
          واستدلَّ البخاريُّ بأنَّه لمَّا جازت الصدقة بالعقار ووقف غلَّاتها على المساكين جاز ذلك في الرقيق والدوابِّ؛ إذ المعنى واحدٌ في انتفاع المساكين بغلَّاتها وبقاء أصولها، وقد تقدَّم بيان هذا في باب الشروط في الوقف فأغنى عن إعادته، [خ¦2737] وسأذكر اختلاف العلماء في وقف الرقيق والحيوان بعد هذا إن شاء الله تعالى(3). [خ¦2775]
          قال المُهَلَّب: وفيه أنَّ من تاب الله عليه وخلَّصه من ملمَّةٍ نزلت به أنَّه ينبغي له أن يشكر الله تعالى على ذلك بالصدقة وما شاكلها من أفعال البرِّ.


[1] في (ص): ((من آفات الفقر)).
[2] قوله: ((من كلام الطبري)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((وقد تقدم بيان هذا.... إن شاء الله تعالى)) ليس في (ص).