شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا كسر قصعةً أو شيئًا لغيره

          ░34▒ بَابُ إِذَا كَسَرَ قَصْعَةً أَوْ شَيْئًا لِغَيْرِهِ
          فيهِ أَنَسٌ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ مَعَ خَادِمٍ(1) بِقَصْعَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا، فَكَسَرَتِ(2) القَصْعَةَ، فَضَمَّهَا(3) وَجَعَلَ فِيهَا الطَّعَامَ، وَقَالَ: كُلُوا، وَحَبَسَ الرَّسُولَ وَالقَصْعَةَ حَتَّى فَرَغُوا، فَدَفَعَ القَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ، وَحَبَسَ المَكْسُورَةَ). [خ¦2481]
          قال المُهَلَّبُ(4): رُوِيَ أنَّ صَفِيَّةَ هي الَّتي صنعت الطَّعَامَ لرسولِ اللهِ صلعم، ورُوِيَ أنَّها أمُّ سَلَمَةَ وأنَّ الكاسرةَ عائشةُ.
          واختلفَ العلماءُ فيمَن استهلك عروضًا أو حيوانًا، فذهب الكوفيُّون والشَّافعيُّ وجماعةٌ إلى أنَّ عليه مثل ما استهلك، قالوا: ولا يُقضَى بالقيمةِ إلَّا عند عدمِ المثلِ، واحتجُّوا بحديثِ القصعةِ، قالوا: ألا ترى أنَّ الرَّسُولَ(5) صلعم ضمن القَصْعَةَ بقَصْعَةٍ.
          وذهبَ مالكٌ إلى أنَّه(6) مَن استهلكَ شيئًا مِنَ العُرُوضِ أو الحيوانِ فعليه قيمتُه يوم استهلكَه، وقال: القيمةُ أعدلُ في ذلك، واحتجَّ بأَنَّ النَّبِيَّ صلعم قضَى فيمَنْ أعتقَ شِرْكًا له في عبدٍ بقيمةِ حصَّة شريكه دون حصَّةٍ مِنْ عبدٍ مثلِه، لأنَّ ضبطَ المِثْلِ بالقيمةِ أخصُّ منه في الحلقةِ، والمثلُ لا يوصلُ إليه إلَّا بالاجتهادِ، وكما(7) أنَّ القيمةَ تُدْرَكُ بالاجتهادِ، وقيمةُ(8) العدلِ في الحقيقةِ مثلٌ، وقد تناقضَ العراقيُّونَ في قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}[المائدة:95]وقالوا: القيمةُ مثلٌ في هذا الموضعِ.
          واتَّفق مالكٌ والكوفيُّون والشَّافعيُّ وأبو ثَوْرٍ فيمَنْ(9) استهلك ذهبًا أو وَرِقًا أو طعامًا مكيلًا أو موزونًا، أنَّ عليه مثلُ ما استهلَك في صفتِه ووزنِه(10) وكيلِه، قال(11) مالكٌ: وفَرَّقَ بين الذَّهبِ والفِضَّةِ والطَّعامِ، وبين الحيوانِ والعُرُوضِ العملُ المعمولُ به. قال ابنُ المنذرِ: ولا أعلمُ في هذه المسألةِ خلافًا.


[1] زاد في (ز): ((لها)).
[2] في (ز): ((فانكسرت)).
[3] في (ز): ((فضبَّها)).
[4] قوله: ((المهلَّب)) ليس في (ز).
[5] في (ز): ((النَّبيَّ)).
[6] في (ز): ((أنَّ)).
[7] في (ز): ((كما)).
[8] في (ص): ((وقصَّة)).
[9] في (ز): ((أبو ثورٍ على أنَّ من)).
[10] في (ز): ((من صنفه بوزنه)).
[11] في المطبوع: ((وقال)).