شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب النهبى بغير إذن صاحبه

          ░30▒ [بَابُ النُّهْبَى بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ
          وَقَالَ عُبَادَةُ: بَايَعْنَا النّبيَّ صلعم أَنْ لاَ نَنْتَهِبَ.
          وفيهِ عَبْدُ اللهِ بنُ يَزِيدَ: (نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنِ النُّهْبَى، وَالمُثْلَةِ). [خ¦2474]
          وفيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ(1) النَّبيُّ(2) صلعم: (وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ). [خ¦2475]
          الانتهابُ الَّذي أجمعَ العلماءُ على تحريمِه هو ما كانت العربُ عليه مِنَ الغاراتِ وانطلاقِ الأيدي على أموالِ النَّاسِ بالباطلِ، فهذه النُّهبةُ لا ينتهبها مؤمنٌ، كما لا يسرقُ ولا يزني مؤمنٌ، يعني مستكملُ الإيمانِ، وعلى هذا وقعت البيعةُ في حديثِ عُبَادَةَ في قوله: (بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ ألاَ نَنْتَهِبَ) يعني ألَّا نُغِيرَ على المسلمينَ في أموالهم.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: وفسَّر الحَسَنُ والنَّخَعِيُّ هذا الحديثَ فقالا: النُّهبةُ المحرَّمةُ أن ينتهبَ مالَ الرُّجلِ بغيرِ إذنِه وهو له كارهٌ، و هو قولُ قَتَادَةَ.
          قال أبو عبيدٍ: وهذا وجه الحديثِ على ما فسره النَّخَعِيُّ والحسنُ، وأما النُّهبةُ المكروهةُ فهو ما أذنَ فيه صاحبُه للجماعةِ وأباحَه لهم وغرضُه تساويهم]
(3) فيه أو مقاربُة التَّساويِّ، فإذا كان القويُّ منهم يغلبُ الضَّعيفَ(4) ويحرمُه، فلم تطبْ نفسُ صاحبِه بذلك الفعلِ.
          وقد اختلفَ العلماءُ فيما يُنْثَرُ على رؤوسِ الصِّبيانِ في الأعراسِ فتكون فيه النُّهْبَةُ فكرهَه مالكٌ والشَّافعيُّ، وأجازه الكوفيُّون، قال الأَبْهَرِيُّ: وإنَّما كرهَه، لأنَّه قد يأخذُ منه مَنْ لا يحبُّ صاحبُ الشَّيء أخذَه، ويحبُّ أخذَ غيرِه له.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: إلَّا أنَّه لا تُجْرَحُ بذلك شهادةُ أحدٍ، وإنَّما أكرهُه لأنَّ مَنْ أخذَه إنَّما أخذَه بفضلِ قوَّةٍ وقلَّةِ حياءٍ، ولم يُقْصَدْ به هو وحدُه، إنَّما قُصِدَ به الجماعةُ، ولا يُعرفُ حظُّه مِنْ حظِّ غيرِه، فهو خلسةٌ وسحتٌ.
          واحتجَّ الكوفيُّون بأَنَّ النَّبِيَّ صلعم لمَّا نحرَ الهَدْي قال: ((دُونَكُمْ فَانْتَهِبُوا))، وقال(5) ابنُ المُنْذِرِ: وهذا(6) الحديثُ حُجَّةٌ في / إجازةِ أخذِ ما نُثِرَ في الملاكِ وغيره، وأُبِيحَ أخذُه، لأنَّ المبيحَ لهم ذلك قد علمَ اختلافَ قواهم(7) في الأخذِ وليس في البُدنِ الَّتي أباحها النَّبيُّ ◙ لأصحابه معنًى إلَّا وهو موجودٌ في النِّثَارِ، واللهُ أعلمُ.


[1] في المطبوع: ((وقال)).
[2] قوله: ((النَّبيُّ)) ليس في المطبوع.
[3] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[4] زاد في (ز): ((على ذلك)).
[5] في (ز): ((قال)).
[6] في المطبوع: ((هذا)).
[7] في المطبوع: ((فعلهم))، غير واضحة في (ص).