شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره

          ░20▒ بَابُ لاَ يَمْنَعُ جَارٌ(1) جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لاَ يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ)، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ، وَاللهِ لأرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ. [خ¦2463]
          قال أبو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ: حدَّثني رَوْحُ بنُ الفرجِ قال: سألت أبا زيدٍ والحارثَ بنَ هِشَامٍ(2) ويُونُسَ بنَ عبدِ الأَعلَى كيف لفظ: (أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ؟)، فقالوا جميعًا: خشبةً بالنَّصبِ والتَّنوينِ على خشبةٍ واحدةٍ.
          واختلفَ العلماءُ في تأويلِ هذا الحديثِ، فقالت طائفةٌ: هو على الوجوبِ إذا لم يكن في ذلك مضرَّةٌ على صاحبِ الجدارِ، وهو قولُ الشَّافعيِّ وأحمدَ وإِسْحَاقَ وأبي ثَوْرٍ.
          وذهبَ مالكٌ والكوفيُّون إلى أنَّه لا يغرز خشبةً(3) في حائطِ أحدٍ إلَّا بإذنِ صاحبِ الحائطِ، ومجملُ الحديثِ عندهم على النَّدبِ، والحُجَّةُ لهم قولُ الرَّسولِ(4) صلعم: ((إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ)).
          وأنَّه لا يجوزُ لأحدٍ أن يجبرَ أحدًا على أن يفعلَ في ملكِه ما يضرُّ به، وقد قالَ ◙: ((لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ(5) إِلَّا عَنْ طِيْبِ نَفْسٍ مِنْهُ)) قالوا: فعلمنا أنَّ قولَه ◙: (لَا يَمْنَع جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً في جِدَارِهِ) محمولٌ على النَّدبِ وحسنِ المجاورةِ لا على الوجوبِ، وهو كقولِه ◙: ((مَا زَالَ جِبْرِيْلُ يُوصِينِي بالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)) وكقوله: ((مَا آمَنَ مَنْ بَاتَ / شَبْعَانَ وَجَارُهُ طَاوٍ)). قالوا: ولو كان الحديثُ معناه الوجوبُ ما جهل الصَّحابةُ تأويلَه، ولا كانوا معرضينَ عن أبي هريرةَ حين كان يُحَدِّثُهم بهذا الحديثِ، وإنَّما جازَ لهم ذلك لتقرُّرِ الأعمالِ والأحكامِ عندهم بخلافِه، ولا يجوزُ عليهم جهلُ الفرائضِ، فدلَّ ذلك أنَّ معناه على النَّدبِ، وفي هذا دليلٌ أنَّ تأويلَ الأحاديثِ على ما تلقَّاها عليه الصَّحابةُ، لا على ظواهرِها(6).
          قال المُهَلَّبُ: ولو بلغَ مِنِ اجتهادِ حاكمٍ أن يحكمَ فيه(7) لنفذَ حكمُه بما حضَّ النَّبيُّ صلعم(8) أمَّته مِنْ ذلك، كما حكم عُمَرُ على ابنِ مَسْلَمَةَ في تحويلِ السَّاقيةِ إلى جنبِه، وسُئِلَ ابنُ القَاسِمِ عن رجلٍ كانتْ له خشبةٌ(9) في حائطٍ أدخلها بإذنِه، ثمَّ إنَّ الَّذي له الحائطُ وقع بينه وبين الَّذي له الخشبُ(10) شحناءُ، فقال له: أخرجْ خشبَك(11) مِنْ حائطِي، قال(12) مالكٌ: ليس له أن يخرجَه(13) على وجه الضَّررِ، ولكن يُنْظَرُ في ذلك فإن احتاجَ الرُّجُلُ إلى حائطِه(14) لهدمِه(15) فهو أولى به، وروى ابنُ عبدِ الحَكمِ عنه أنَّه(16) قال: وإن أرادَ بيعَ دارَه فقال: انزعْ خشبَك، فليس له ذلك، وقال مُطَرِّف وابنُ المَاجِشُونِ: لا يقلعُ الخشبَ أبدًا وإن احتاجَ صاحبُ الجدارِ إلى جدارِه.


[1] قوله: ((جار)) ليس في (ز).
[2] في (ز): ((مسكين)).
[3] في (ز): ((الخشبة)).
[4] في (ز): ((النَّبيِّ)).
[5] قوله: ((مسلم)) ليس في (ز).
[6] في (ز): ((ظاهرها)).
[7] في (ز): ((به)).
[8] زاد في (ز): ((عليه)).
[9] في (ز): ((خشب)).
[10] في (ز): ((الخشبة)).
[11] في (ز): ((خشبتك)).
[12] في (ز): ((فقال)).
[13] في (ز): ((يخرجها)).
[14] في (ص): ((حائطي)).
[15] في (ز): ((فيهدمه)).
[16] قوله: ((أنَّه)) ليس في (ز).