شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الانتصار من الظالم

          ░6▒ بَابُ الانْتِصَارِ مِنَ الظَّالِمِ
          لقولِه(1) تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ القَوْلِ} الآية(2)[النِّساء:148]، {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}[الشُّورى:39 /
          قَالَ إِبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا فإِذَا(3) قَدَرُوا عَفَوْا.
          (4) الانتصارُ مِنَ الظالمِ مباحٌ بهذه(5) الآية، روى ابنُ أبي نَجِيْح عن مُجَاهِدٍ قال: نزلتْ هذه الآية: {لَا يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ القَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ}[النِّساء:148]في الرَّجلِ يمرُّ بالرَّجلِ فلا يضيفُه فرخَّصَ له أن يقولَ فيه أنَّه لم يُحْسِنْ ضيافتَه ويؤذيه بما فعلَ به، وقالَ ╡: {وَالَّذِينَ إِذَا(6) أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}[الشُّورى:39]وقالَ ╡: {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِنْ سَبِيلٍ}[الشُّورى:41]فأباحَ الانتصارَ بهذه الآياتِ.
          وأمَّا قولُ إبراهيمَ إنَّهم(7) كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُسْتَذَلُّوا، فإِنَّ النَّبِيَّ صلعم قد رُوِيَ عنه هذا المعنى، رُوِيَ أنَّه استعاذَ باللهِ مِنْ غلبةِ الرِّجالِ، واستعاذَ مِنْ شماتَةِ الأعداءِ.
          وقوله: (فَإِذَا قَدَرُوا عَفَوْا) فإنَّ العفوَ أجملُ وأفضلُ لما جاءَ في ثوابِه وعظيمِ أجرِه وقد أثنى اللهُ ╡ على مَنْ فعلَ ذلك فقالَ: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[الشُّورى:43]وهذه السَّبيلُ امتثلَ النَّبيُّ صلعم في خاصَّةِ نفسِه، فكان لا ينتقمُ لنفسِه، ولا يقتصُّ ممَّنْ جفا عليه ولم يوقِّرْه(8)، وقد جفا عليه كثيرٌ مِنَ الأعرابِ، وقال له قائلٌ: إِنِّكَ مَا عَدَلْتَ مُنْذُ اليومَ، فآثرَ ◙ الأخذَ بالعفوِ(9) ليسنَّ(10) لأُمَّتِه.


[1] في (ز): ((وقول الله)).
[2] زاد في (ز): (({إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا}))، وقوله: ((الآية)) ليس في (ز).
[3] في (ز): ((وإذا)).
[4] زاد في (ز): ((قال)).
[5] في (ز): ((بنصِّ هذه)).
[6] في (ص): ((وقال ╡: وإذا)).
[7] قوله: ((إنَّهم)) ليس في (ز).
[8] في (ص) صورتها: ((يؤذيه وقره)).
[9] في (ز): ((بالعقوبة)).
[10] في (ص): ((ليستنَّ)).