شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب عفو المظلوم

          ░7▒ بَابُ عَفْوِ المَظْلُومِ
          لِقَوْلِهِ ╡: {إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا}[النِّساء:149]، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} إلى قوله: {إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ}(1)[الشُّورى:40-44].
          قد تقدَّمَ في البابِ قبل هذا أنَّ العفوَ أفضلُ لما جاءَ فيه مِنَ التَّرغيبِ، وقد رُوِيَ(2) عن أحمدَ بن حنبلٍ ☼(3) قال: قد جَعَلْتُ المُعْتَصِمَ باللهِ في حِلِّ مِنْ ضَرْبِي وسَجْنِي لأنَّه حدَّثنِي هاشمُ بنُ القَاسمِ عن ابنِ المباركِ قالَ: حدَّثني مَنْ سَمِعَ الحَسَنَ البصريَّ ☼ يقولُ: إذا جَثَتِ الأممُ بين يدي ربِّ العالمينَ يومَ القيامةِ نُودِيَ: ليقمْ مَنْ أجرُهُ على اللهِ تعالى، فلا يقومُ إلَّا مَنْ عفَا في الدُّنيا. يُصَدِّقُ هذا الحديثَ قوله ╡: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ على اللهِ}(4)[الشُّورى:40]وكان [أحمدُ بنُ حنبلٍ يقول: ما أحبُّ أن يُعَذِّبَ الله بسَبَبِي أحدًا.
          وقال ابنُ الأَنْبَارِيِّ: كان الحَسَنُ البصريُّ يدعو ذاتَ ليلةٍ: اللَّهُمَّ اعفُ عمَّن ظلمني، فأكثرَ في ذلك، فقال له رجلٌ: يا أبا سَعِيدٍ، لقد سمعتُك الليَّلةَ تدعو لمَنْ ظلمَك حتَّى تمنَّيتُ أن أكونَ فيمَنْ ظلمَك، فما دعاك إلى ذلك؟ قالَ: قوله ╡: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ على اللهِ}[الشُّورى:40].]
(5)


[1] العبارة في (ز): (({وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِيْنَ* وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيْلٍ} إلى قوله: {عَزْمِ الأُمُورِ} [الشُّورى: 40-41]، {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا العَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ})).
[2] في (ز): ((وروي)).
[3] زاد في (ز): ((أنَّه)).
[4] زاد في (ز): (({إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ})).
[5] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).