شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من قاتل دون ماله

          ░33▒ بَابُ مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِه(1)
          فيهِ ابنُ عُمَرَ(2)، سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ(3): (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ). [خ¦2480]
          إنَّما أدخلَ هذا الحديثَ في هذه الأبوابِ ليريك(4) أنَّ للإنسانِ أن يدفعَ عن نفسِه ومالِه، فإذا كان شهيدًا إذا قُتِلَ في ذلك، كان إذا قَتَلَ مَنْ أراده في مدافعتِه له عن نفسِه لا ديةَ عليه فيه ولا قودَ.
          قال المُهَلَّبُ: وكذلك كلُّ مَنْ قاتلَ على ما يحلُّ له القتالُ عليه مِنْ أهلٍ أو دِينٍ فهو كمَنْ قاتلَ دون نفسِه ومالِه فلا ديةَ عليه ولا تبعةً، ومَنْ أخذ في ذلك بالرُّخصةِ وأسلمَ المالَ والأهلَ والنَّفسَ(5) فأمره إلى الله، والله يعذرُه ويأجرُه، ومَنْ أخذَ في ذلك بالشِّدَّة وقُتِلَ كانت له الشَّهادةُ بهذا الحديثِ.
          وأمَّا قولُ أهلِ العلمِ في هذا البابِ فذكر ابنُ المُنْذِرِ قال: رُوِّينا عن جماعةٍ مِنْ أهلِ العلمِ أنَّهم رأوا قتالَ اللُّصوصِ ودفعَهم عن أنفسِهم وأموالِهم، وقد أخذ ابنُ عُمَرَ لصًّا في دارِه(6) فأصلتَ عليه السَّيفَ، قال سالمٌ: فلولا أنَّا نهيناه لضربَه به.
          وقال النَّخَعِيُّ: إذا خِفْتَ أن يبدأك اللِّصُّ فابدْأه، وقال الحَسَنُ البصريُّ: إذا طرقَ اللِّصُّ بالسَّلاحِ فاقتلْه، وروِّينا هذا المعنى عن غيرِ واحدٍ مِنَ المتقدِّمين، وسُئِلَ مالكٌ عن القومِ يكونون في السَّفرِ فتلقاهم اللُّصوصُ، قال: يناشدونهم الله، فإن أبوا وإلَّا قُوتِلُوا، وعن الثَّوْرِيِّ وابنِ المباركِ قالَ: يقاتلونَهم ولو على دانقٍ.
          وقال أحمدُ بنُ حنبلٍ: إذا كان اللِّصُ مقبلًا، وأمَّا مولِّيًا فلا، وعن إِسْحَاقَ مثله، وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ في رجلٍ دخلَ على رجلٍ ليلًا فسرقَه ثمَّ خرجَ بالسَّرقةِ مِنَ الدَّارِ، فاتَّبَعَه الرَّجلُ فقتلَه، قال: لا شيء عليه، وكان الشَّافعيُّ يقولُ: مَنْ أُرِيدَ مالُه في مصرٍ أو صحراءَ، أو أُرِيدَ حريمُه فالاختيارُ له أن يُكَلِّمَه ويستغيثَ، فإن منع أو امتنع لم يكن له قتالُه، فإن أبى أن يمتنعَ مِنْ قتلِه مَنْ أرادَه، فله أن يدفعَه عن نفسِه وعن مالِه، وليس له عمدُ قتلِه، فإن أبى ذلك على نفسِه فلا عقلَ عليه ولا قودَ ولا كفَّارةَ.
          قال ابنُ المُنْذِرِ: والَّذي عليه عوامُ أهلِ العلمِ أنَّ للرَّجلِ أن يقاتلَ عن نفسِه ومالِه وأهلِه إذا أريدَ ظلمًا، لقوله ◙: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)، ولم يخصَّ وقتًا دون وقتٍ، ولا حالًا دون حالٍ إلَّا السُّلطان، فإنَّ كلَّ مَنْ نحفظُ عنه(7) مِنْ علماءِ الحديثِ كالمُجمِعِين على أنَّ كلَّ مَنْ لم يمكنْه أن يدفعَ عن نفسِه(8) ومالِه إلَّا بالخروجِ على السُّلطانِ ومحاربتِه ألَّا يفعلُ، للآثارِ الَّتي جاءت عَنِ النَّبِيِّ صلعم بالأمرِ بالصَّبرِ على ما يكون منه مِنَ الجورِ والظُّلمِ، وتركِ القيامِ عليهم ما أقاموا الصَّلَاةَ.
          وما قلناه مِنْ إباحةِ أن يدفعَ الرَّجلُ عن نفسِه ومالِه قولُ عوامِ أهلِ العلمِ إلَّا الأوزاعيُّ، فإنَّه كان يُفَرِّقُ بين الحالِ الَّذي للنَّاسِ فيها جماعةٌ وإمامٌ وبين حالِ الفتنةِ الَّتي لا جماعةَ فيها ولا إمامَ، فقال في تفسيرِ قوله: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) إذا أقلعتِ الفتنةُ عن الجماعةِ، وأُمِنَتِ السُّبلُ(9)، / وحُجَّ البيتُ، وجُوهِدَ العدوُّ، وقعد اللِّصُ لرجلٍ(10) يريدُ دمَه أو مالَه قاتلَه، وإن كانَ الناسُ في معمعةِ فتنةٍ وقتالٍ، فدخلَ عليه يُرِيدُ دمَه ومالَه اقتدى بمُحَمَّدِ بنِ مَسْلَمَةَ.


[1] زاد في (ز): ((فقتل)).
[2] زاد في المطبوع: ((قال)).
[3] في (ز): ((قال سمعت النَّبيَّ صلعم)).
[4] في (ز): ((ليدلَّك)).
[5] في (ز): ((أو الأهل أو النَّفس)).
[6] في (ز): ((ذلك)).
[7] في (ز): ((عنهم)).
[8] في (ز): ((على أنَّ من لم يمكنه أن يمنع نفسه)).
[9] في (ز): ((وأمن السَّبيل)).
[10] في (ز): ((على رجل)).