شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين}

          ░2▒ بَابُ قَوْلِهِ ╡: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:18]
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: سَمِعْتَ النَّبيَّ صلعم في النَّجْوَى(1) يَقُولُ: (إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَسِتْرَهُ، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا(2)؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، أي رَبِّ، حَتَّى قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى في نَفْسِهِ أَنَّهُ هَالكَ(3)، قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالْمُنَافِق، فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: {هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ على رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ على الظَّالِمِينَ}[هود:18]). [خ¦2441]
          قال المُهَلَّبُ: في هذا الحديثِ عظيمُ تفضُّلِ اللهِ على عبادِه(4) وستره لذنوبِهم يومَ القيامةِ، وأنَّه يغفرُ لذنوبِ(5) مَنْ شاء منهم بخلافِ قول مَنْ أنفذَ الوعيدَ على أهلِ الإيمان لأنَّه لم يستثنِ في هذا الحديثِ ◙ ممَّن يضع عليه كنفَه وسترَه(6) أحدًا إلَّا الكفَّارَ والمنافقين، فإنَّهم الَّذين يُنَادَى عليهم على رؤوسِ الأشهادِ باللَّعنةِ لهم.
          وسيأتي في كتابِ الأدبِ في بابِ سترِ المؤمنِ على نفسِه حديثُ النَّجوى، وانقضاءُ الكلامِ في معناه إن شاء الله [خ¦6070]، وهذا الحديثُ حُجَّةٌ لأهلِ السُّنَّة في قولهم: إنَّ أهلَ الذُّنوبِ مِنَ المؤمنين لا يُكَفَّرُونَ بالمعاصي كما زعمت الخوارج.
          وقولُه تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}[هود:18]أنَّ(7) المرادَ بالظُّلمِ هاهنا الكفرُ والنِّفاقُ كما ذُكِرَ في الحديثِ، وليس كلُّ ظلمٍ(8) يدخلُ في معنى الآية ويستحقُّ اللَّعنةَ لأنَّه لا تكون عقوبةُ الكفرِ عند اللهِ كعقوبةِ صغائرِ الذُّنوبِ، واللَّعنُ في كلامِ العربِ: الإبعادُ مِنَ الله ╡، فدلَّتْ هذه(9) الآية أن الكلام ليس على العموم، وأنه يفتقر(10) إلى ما يبين معناه، وهذا الحديثُ يبيِّن أن قولَ اللهِ(11): {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}[التَّكاثر:8]أنَّ السُّؤالَ عن النَّعيمِ الحلالِ إنَّما هو سؤالُ تقريرٍ وتوقيفٍ(12) له على نِعَمِه الَّتي أنعمَ بها عليه، ألا ترى أنَّه ╡ يوقِفُه على ذنوبِه الَّتي عصاه فيها، ثمَّ يغفرُها له، وإذا(13) كان ذلك فسؤاله(14) عباده عن النَّعيم الحلال أولى أن يكون سؤالُ تقريرٍ لا سؤالَ حسابٍ وانتقامٍ.


[1] قوله: ((في النَّجوى)) ليس في (ز).
[2] في (ص): ((أتعرف ذنب كذا)) لم يتكرَّر.
[3] في (ز): ((هلك)).
[4] زاد في (ز): ((المؤمنين)).
[5] في (ز): ((ذنوب)).
[6] في (ز) صورتها: ((ويستره)).
[7] قوله: ((أن)) ليس في (ز).
[8] في (ز): ((ظالم)).
[9] قوله: ((هذه)) ليس في المطبوع.
[10] في (ز): ((مفتقر)).
[11] في (ز): ((قوله ╡)).
[12] في (ص): ((وتوقُّف)).
[13] في (ز): ((فإذا)).
[14] زاد في (ز): ((╡)).