شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا اختلفوا في الطريق الميتاء

          ░29▒ بَابُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الطَّرِيقِ المِيتَاءِ وَهِيَ الرَّحْبَةُ تَكُونُ بَيْنَ الطَّرِيقِ ثُمَّ يُرِيدُ أَهْلُهَا البُنْيَانَ فَيُتْرَكُ(1) مِنْهَا لِلطَّرِيق سَبْعَةَ أَذْرُعٍ.
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: (قَضَى النَّبيُّ صلعم إِذَا تَشَاجَرُوا في الطَّرِيقِ بِسَبْعَةِ أَذْرُعٍ). [خ¦2473]
          قال المُهَلَّبُ: هذا حكمٌ مِنَ النَّبِيِّ صلعم في الأفنيةِ، إذا أرادَ أهلُها(2) البنيانَ أن يجعلَ الطَّريقَ سبعةَ(3) أذرعٍ حتَّى لا يَضرَّ بالمارةِ عليها، وإنَّما جعلَها سبعةَ(4) أذرعٍ لمَدخلِ الأحمالِ والأثقالِ ومَخرجِها(5)، ومَدخل الركبانِ والرِّحالِ، ومطرح ممَّا(6) لا بدَّ لهم مِنْ(7) مطرحِه عند الحاجةِ إليه، وما لا يجدُ النَّاس بدًّا مِنَ الارتفاقِ مِنْ أجلِه بطرقِهم.
          قال الطَّبَرِيُّ: والحديث على الوجوب عند العلماء للقضاء(8) به، ومخرجه على الخصوص عندهم، ومعناه أنَّ كلَّ طريقٍ يُجْعَلُ سبعةَ أذرعٍ، وما يبقى(9) بعد ذلك لكلِّ واحدٍ مِنَ الشُّركاءِ في الأرضِ قدرَ ما ينتفعُ به، ولا مَضَرَّةَ عليه(10)، فهي المرادُ بالحديثِ، وكلُّ طريقٍ يؤخذُ لها سبعةُ أذرعٍ / ويبقى لبعضِ الشُّركاءِ مِنْ نصيبِه بعد ذلك ما لا ينتفعُ به فغير داخلٍ في معنى الحديثِ.
          وقال غيرُه: هذا الحديثُ هو في أمَّهاتِ الطُّرُقِ وما يكثرُ الاختلافُ فيه والمشيِّ عليه، وأمَّا بناتُ الطُّرُقِ فيجوزُ في أفنيتِها ما اتَّفقوا عليه، وإن كانَ أقلَّ مِنْ سبعةِ(11) أذرعٍ.
          وروى ابنُ وَهْبٍ عن ابنِ سَمْعَانَ أنَّ مَنْ أدركَ مِنَ العلماءِ قالوا: في الطَّريقِ يُرِيدُ أهلُها تبيانَ(12) عرضِها: إنَّ أهلَها الَّذين هم أقربُ النَّاسِ منها يقتطعونها بالجصص على قَدْرِ ما شُرع فيها مِنْ ربعهم فيُعْطَى صاحبُ الرّبع الواسعِ(13) بِقَدْرِه، وصاحبُ الصَّغِيرِ بِقَدْرِهِ، ويتركونَ لطريقِ المسلمين ثمانيةَ أذرعٍ أو سبعةَ أذرعٍ(14) على ما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم.
          واختلفَ أصحابُ مالكٍ فيمَنْ أرادَ أن(15) يبني في الفناءِ الواسعِ ولا يضرَّ فيه بأحدٍ بعد أن يتركَ للطَّريقِ سبعةَ أذرعٍ أو ثمانيةٍ(16)، فروى(17) ابنُ وَهْبٍ(18) أنَّه ليس له ذلك، وقال أَصْبَغُ: أكرهُهُ فإن نزلَ لم يعرض له قالَ أَشْهَبُ: قد نزلتْ(19) فأفتى فيها أَشْهَبُ قال: إذا كانت الطَّريقُ واسعةً وأخذَ منها يسيرًا(20) لا ضررَ فيه فلا بأسَ بذلك.
          قال ابنُ حَبِيْبٍ: وقولُ مالكٍ أعجبُ إليَّ، لأنَّ الطَّريقَ المنفعةُ فيه للنَّاسِ عامَّةً، وربَّما ضاقَ الطَّريقُ بأهلِه وبالدَّوابِّ فيميلُ الرَّاكبُ وصاحبُ الحملِ عن الطَّريقِ إلى تلك الأفنيةِ والرِّحابِ فيتَّسعَ فيها، فليس لأهلِها التَّغَيُّرُ(21) عن حالها.
          وقول أَصْبَغَ وأَشْهَبَ يعضدُه حديثُ أبي هريرةَ، وما وافقَ الحديثَ أولى ممَّا خالفَه، ففيه الحُجَّةُ البالغةُ، ومِنْ معنى هذا الباب ما ذكره ابنُ حَبِيبٍ أنَّ عُمَرَ بنِ الخَطَّابَ قضى بالأفنيةِ لأربابِ الدُّورِ، وتفسيرُ هذا يعني أنَّه قضى بالانتفاعِ بالمجالسِ والمَرابطِ والمَصَاطِبِ وجلوسِ الباعةِ فيها، وليس بأن تُحَازَ بالبنيانِ والتَّحظيرِ، وقد مرَّ عُمَرُ بكيرِ حَدَّادٍ في السُّوقِ فأمَرَ به فهُدِمَ، وقال: يُضَيِّقُونَ على النَّاسِ.
          وقال أبو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ: المِيتَاءُ: أعظمُ الطَّريقِ، وهي الَّتي يكثر إتيانِ النَّاسِ عليها، قال حُمَيْدُ بنُ ثَوْرٍ:
إِذَا انضَـمَّ مَيتَـاءُ الطَّرِيـقِ عليهما                     مَضَتْ قُدُمًا مـَوجَ الجُذَامِ زُهُوقُ(22)


[1] في المطبوع: ((فترك))، وغير واضحة في (ص).
[2] في (ز): ((أهل الأرض)).
[3] في (ز): ((سبع)).
[4] قوله: ((أذرع حتَّى لا يضرَّ بالمارَّة عليها، وإنَّما جعلها سبعة)) ليس في (ز).
[5] زاد في (ز): ((وتلاقيها)).
[6] في (ز): ((ولطرح ما)).
[7] قوله: ((من)) ليس في (ز).
[8] في (ز): ((القضاء)).
[9] في (ز): ((أذرع ثمَّ يبقى)).
[10] زاد في (ز): ((فيه)).
[11] في (ز): ((سبع)).
[12] في (ز): ((بنيان)).
[13] في (ص): ((الصَّغير)).
[14] في (ز): ((ثماني أذرعٍ أو سبع أذرعٍ)).
[15] قوله: ((يبني)) ليس في (ز).
[16] في (ز): ((سبع أزرعٍ أو ثمانيًا)).
[17] في (ز): ((وروى)).
[18] زاد في (ز): ((عن مالك)).
[19] في المطبوع: ((وقال أصبغ: أكرهه فإن ترك لم يعرض له قد تركت))، في (ز): ((وقال أصبغ: وقد نزلت)).
[20] في (ص): ((يسير)).
[21] في (ز): ((تغييرها)).
[22] قوله: ((قال حميد بن ثور: إذا انضـمَّ ميتـاء الطَّريـق عليهما مضـت قدمًا مـوج الجذام زهوق)) ليس في (ص).