إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: فإني أعطي رجالًا حديثي عهد بكفر أتألفهم

          4331- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنَديُّ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامٌ) هو ابنُ يوسف الصَّنعانيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ) هو ابنُ راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بنِ مسلمٍ، أنَّه قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ ”حَدَّثني“ بالإفراد أيضًا (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ☺ قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ اللهُ / عَلَى رَسُولِهِ صلعم ) سقطَتِ التَّصلية لأبي ذرٍّ (مَا أَفَاءَ منْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلعم يُعْطِي رِجَالًا المِئَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا) أي: الأنصارُ: (يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ صلعم ) قالوه توطئةً وتمهيدًا لما يردُ بعدهُ من العتابِ، كقوله تعالى: {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}[التوبة:43] وسقطَتِ التَّصلية لأبي ذرٍّ (يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ) جملة «وسيوفنا» حالٌ مقرِّرة لجهةِ الإشكالِ، وهي من باب قولهم: عرضتُ النَّاقة على الحوضِ (قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ) بضم الحاء وكسر الدال مبنيًّا للمفعول، أي: أُخبرَ (رَسُولُ اللهِ صلعم بِمَقَالَتِهِمْ) وعندَ ابن إسحاق من حديثِ أبي سعيدٍ: أنَّ الَّذي أخبرهُ صلعم سعدُ بنُ معاذ (فَأَرْسَلَ) صلعم (إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ) بفتح الهمزة المقصورة والدال، جلدٌ مدبوغٌ (وَلَمْ يَدْعُ) بسكون الدال، أي: لم ينادِ (مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ النَّبِيُّ صلعم ) خطيبًا (فَقَالَ: مَا حَدِيثٌ) بالتنوين (بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟ فَقَالَ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا _يَا رَسُولَ اللهِ_ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ صلعم ) سقطَتِ التَّصلية لأبي ذرٍّ (يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) لهم: (فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَمَا) بتخفيف الميم (تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلعم إِلَى رِحَالِكُمْ؟!) بيوتِكُم (فَوَاللهِ لَمَا) بفتح اللام للتأكيد، أي: الذي (تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ) وفي «مناقب الأنصار»[خ¦3778] من طريق أبي التَّياحِ عن أنسٍ: «أولا ترضونَ أن يرجعَ النَّاسُ بالغنائمِ إلى بيوتهم وترجعونَ برسولِ الله صلعم إلى بيوتِكُم» (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ رَضِينَا. فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلعم : سَتَجِدُونَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”فَتَجِدونَ“ بالفاء بدل السين (أَُثْـَرَةً شَدِيدَةً) بضم الهمزة وسكون‼ المثلثة وبفتحهما، ويقالُ أيضًا: إِثْرةً _بكسر الهمزة وسكون المثلثة_ من تفرَّد عليكم بما لكم فيه اشتراكٌ في الاستحقاقِ، أو يفضِّلُ نفسه عليكم في الفيءِ، وقيل: المرادُ بـ «الأثرةِ» نفسُ الشدَّة. قال في «الفتح»: ويردُّه سياقُ الحديث وسببه (فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ) يوم القيامةِ ( صلعم ) وسقطَتِ التَّصلية لأبي ذرٍّ (فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ. قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا) وفي قوله: «ستلقونَ»، عَلَمٌ من أعلام النبوَّة؛ لأنَّه كانَ كما قال صلوات الله وسلامه عليه.