إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي

          4330- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) التَّبوذكيُّ قال: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) بضم الواو وفتح الهاء، ابنُ خالدٍ البصريُّ (قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى) بفتح العين، ابنِ عمارةَ الأنصاريُّ المازنيُّ (عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ) الأنصاريِّ المدنيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ) أي: ابنِ كعبٍ الأنصاريِّ المازنيِّ، صحابيٌّ(1) مشهور. قيل: إنَّه هو الَّذي قتل مسيلمةَ الكذَّاب، واستشهدَ بالحرَّة سنة ثلاثٍ(2) وستين، أنَّه (قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ صلعم ) أي: لمَّا أعطاهُ الله غنائمَ الَّذين قاتلهم (يَوْمَ حُنَيْنٍ) وسقطَت التَّصلية لأبي ذرٍّ (قَسَمَ) ╕ الغنائمَ (فِي النَّاسِ‼ فِي المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) بدل بعضٍ من كلٍّ، و«المؤلَّفة» هم أناسٌ أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا.
          وقد سردَ ابنُ طاهر في «المبهمات» له أسماؤهم وهم: أبو سفيان بن حربٍ، وسُهَيلُ بنُ عمرو، وحويطبُ بنُ عبدِ العزَّى، وحكيمُ بنُ حزامَ، وأبو السَّنابلِ بن بَعْكَكٍ، وصفوانُ بنُ أميَّة، وعبد الرَّحمن بنُ يَربوعٍ، وهؤلاءِ من قريش. وعيينةُ بنُ حصنٍ الفزاريُّ، والأقرعُ بنُ حابسٍ التَّميميُّ، وعَمرو بن الأيهمِ التَّميميُّ، والعبَّاسُ بن مرداسٍ السُّلميُّ، ومالكُ بنُ عوفٍ النَّضريُّ، والعلاءُ بنُ حارثةَ الثَّقفيُّ. قال ابن حجرٍ: وفي ذكر الأخيرينِ نظرٌ، فقيل: إنَّما جاءا طائعينَ من الطَّائفِ إلى الجِعْرانة.
          وذكر الواقديُّ في «المؤلَّفة»: معاويةَ ويزيدَ ابني أبي سفيانَ، وأسيدَ بنَ حارثةَ، ومخرمةَ بنَ نوفلٍ، وسعيدَ بنَ يربوع، وقيسَ بن عديٍّ، وعَمرو بن وهبٍ، وهشامَ بن عمرو. وزاد ابنُ إسحاق: النَّضرَ بن الحارث، والحارثَ بنَ هشام، وجبيرَ بنَ مطعمٍ. وممَّن ذكرهُ فيهم أبو عمرو(3): سفيانُ بنُ عبد الأسدِ، والسَّائبُ بن أبي السَّائب، ومطيعُ بن الأسودِ، وأبو جهم بن حذيفةَ. وذكر ابنُ الجوزيِّ فيهم: زيدَ الخيل، وعلقمةَ بن علاثةَ، وحكيمَ بنَ طلق بنِ سفيانَ بنِ أميَّةَ، وخالدَ بن قيسٍ السَّهميَّ، وعميرَ بن مرْداس. وذكرَ غيرهم فيهم: قيسَ بنَ مخرمةَ، وأُحيحةَ بن أميَّة بنِ خلفٍ، وابنَ أبي شريقٍ، وحرملةَ بنَ هوذةَ، وخالدَ بنَ هوذةَ، وعكرمةَ بن عامرٍ العبديَّ، وشيبةَ بن عمارةَ، وعَمرو بنَ ورقةَ، ولبيدَ بنَ ربيعةَ، والمغيرةَ بنَ الحارثِ، وهشامَ بن الوليدِ المخزوميَّ. فهؤلاءِ زيادةٌ على الأربعينَ نفسًا. قاله في «الفتح».
          (وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا) من جميعِ الغنيمةِ / ، فهو مخصوصٌ بهذه الواقعة ليتألَّفَ مسلمةَ الفتح، وفي «المفهم»: أنَّ العطاءَ كان من الخُمُسِ، ومنه كان أكثر عطاياه، وقيل: إنَّما كان تصرَّفَ في الغنيمةِ لأنَّ الأنصارَ كانوا انهزموا، فلم يرجعوا حتَّى وقعتِ الهزيمةُ على الكفَّار، فردَّ الله أمرَ الغنيمة لنبيِّه ╕ (فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا) بفتح الواو والجيم، حزِنُوا، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”وُجُدٌ“ بضمتين جمع: وَاجِدٍ (إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ) من القسمةِ. وزاد في رواية أبي ذرٍّ عن الحَمُّويي ”أو كأنَّهم وجدوا إذ لم يُصبهم ما أصابَ النَّاس“ بالشَّكِّ هل قال: ”وُجُدٌ“ _بضمتين_ أو: ”وَجَدُوا“ فعل ماض؟ وأمَّا على روايةِ الكُشمِيهنيِّ: ”وَجَدُوا“ في الموضعين؛ فتكرارٌ بغير فائدةٍ كما لا يخفَى، وجوَّزَ الكِرْمانيُّ _وتبعهُ بعضهم_ أن يكون الأوَّلُ من الغضبِ‼، والثَّاني من الحزنِ (فَخَطَبَهُمْ) ╕ ، زاد مسلمٌ: «فحمد الله وأثنى عليه» (فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَار، أَلَمْ أَجِدْكُمْ ضُلَّالًا) بضم الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى، بالشِّركِ (فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي) إلى الإيمانِ؟! (وَكُنْتُمْ مُتَفَرِّقِينَ) بسببِ حربِ بُعاث وغيره الواقع بينهم (فَأَلَّفَكُمُ اللهُ بِي؟! وَعَالَةً) ولأبي ذرٍّ ”وكنتُم عَالَةً“ بالعين المهملة وتخفيف اللام، أي: فقراءَ لا مال لكم (فَأَغْنَاكُمُ اللهُ بِي؟! كُلَّمَا قَالَ) صلعم (شَيْئًا قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ) بفتح الهمزة وتشديد النون، أفعل تفضيل، من المنِّ (قَالَ) ╕ : (مَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللهِ صلعم ؟! قَالَ) وسقطَتْ التَّصلية ولفظُ «قال» لأبي ذرٍّ (كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. قَالَ: لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ: جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا). وفي حديثِ أبي سعيد: فقال: «أَمَا واللهِ لو شئتُم لقلتُم فصدَقْتُم وصُدِّقْتُم: أتيتَنَا مكذَّبًا فصدَّقناكَ، ومخذولًا فنصرناكَ، وطريدًا فآويناكَ، وعائلًا فواسيناكَ» زاد أحمدُ من حديثِ أنسٍ: قالوا: بل المنَّة لله ولرسولهِ، وإنَّما قال صلعم ذلك تواضعًا منه، وإلَّا ففي الحقيقة الحجَّةُ البالغةُ(4) والمنَّةُ له عليهم كما قالوا. (أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالبَعِيرِ) اسما جنسٍ يقعُ كلٌّ منهما على الذَّكر والأنثى (وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صلعم إِلَى رِحَالِكُمْ؟!) ذكَّرهم ما غفلوا عنه من عظيمِ ما اختصُّوا بهِ منه بالنِّسبة إلى ما اختصَّ به غيرهم من عرضِ الدُّنيا الفانيةِ، وسقطَتِ التَّصلية لأبي ذرٍّ (لَوْلَا الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ) قالهُ استطابةً لنفوسهم وثناءً عليهم، وليس المرادُ منه الانتقال عن النَّسبِ الولاديِّ؛ لأنَّه حرامٌ، مع أنَّ نسبه ╕ أفضلُ الأنسابِ وأكرمها، وهو تواضعٌ منه ╕ ، وحثٌّ على إكرامِهم واحترامِهم، لكن لا يبلغُونَ درجةَ المهاجرينَ السَّابقينَ الَّذين خرجوا من ديارِهم، وقطعوا عن أقارِبِهم وأحيائِهِم، وحُرِموا أوطانَهُم وأموالهم، والأنصارُ وإن اتَّصفُوا بصفةِ النُّصرة والإيثارِ والمحبةِ والإيواءِ، لكنَّهم مقيمون في مواطنِهم، وحسبُكَ شاهدًا في فضل المهاجرين قوله هذا؛ لأنَّ فيه إشارةً إلى جلالةِ رتبة الهجرةِ فلا يتركها، فهو نبيٌّ مهاجريٌّ لا أنصاريٌّ، وقد سبقَ مزيدٌ لذلك في «فضلِ الأنصار» [خ¦63/2-5658].
          (وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا) بكسر الشين المعجمة وسكون المهملة، طريقًا في الجبلِ (لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا) والمراد: بلدهم (الأَنْصَارُ شِعَارٌ) الثوبُ الَّذي يلي الجلدَ (وَالنَّاسُ دِثَارٌ) بكسر الدال وبالمثلثة المفتوحة، ما يجعلُ فوق الشِّعار، أي: أنَّهم بطانتُهُ وخاصتُهُ، وأنَّهم ألصقُ به وأقربُ إليهِ من غيرهم؛ وهو تشبيهٌ بليغٌ (إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً) بفتح الهمزة والمثلثة، وبضم الهمزة وسكون المثلثة‼، أي: يستأثرُ عليكُم بما لكم فيهِ اشتراكٌ من الاستحقاقِ (فَاصْبِرُوا) على ذلك (حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ) يوم القيامةِ، فيحصلُ لكم الانتصافُ ممَّن ظلمكم مع الثَّوابِ الجزيلِ على الصَّبر.
          وهذا الحديثُ أخرجه مسلم في «الزَّكاة».


[1] في (ص): «الصحابي».
[2] في (ص): «ثمان».
[3] كذا في الأصول، ولعل صوابه كما في «الفتح» (8/48): أبو عمر. وهو ابن عبد البر.
[4] في (ص) زيادة: «له».