إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سورًا فحي هلًا بكم

          4102- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ) بفتح / العين وسكون الميم، ابنِ بحرٍ الصَّيرفيُّ البَصريُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ) الضَّحَّاك بنُ مَخْلد _شيخُ المؤلِّف أيضًا_ قال: (أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ) بنِ عبدِ الرَّحمن بنِ صفوانَ بنِ أميَّة الجُمحيُّ المكِّيُّ قال: (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ) بكسر العين، و«مِيْناء»: بكسر الميم وسكون التحتية وبعد النون ألف ممدود ومقصور (قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ) الأنصاريَّ ( ☻ ، قَالَ: لَمَّا حُفِرَ الخَنْدَقُ) بضم الحاء مبنيًا للمفعول‼، وتاليهِ نائبُ الفاعلِ (رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صلعم خَمَصًا شَدِيدًا) بفتح الخاء المعجمة والميم وبالصاد(1) المهملة، ضمورُ البطنِ من الجُوعِ (فَانْكَفَأْتُ) بالهمزة، وقد تُبْدَلُ ياء، لكن قال الحافظُ أبو ذرٍّ: صوابُه: «فانكفأتُ» بالهمزة، وقال في «التَّنقيح»: أصلُه الهمز(2)، من كفأتُ الإناء، ويسهَّل. قال في «المصابيح»: لكن ليسَ القياسُ في تسهيلِ مثله إبدال الهمزة ياء. أي: انقلبْتُ (إِلَى امْرَأَتِي) سُهيلة (فَقُلْتُ) لها: (هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ؟ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللهِ صلعم خَمَصًا شَدِيدًا، فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ) بتشديد التحتية (جِرَابًا) بكسر الجيم (فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيْمَةٌ) بضم الموحدة وفتح الهاء، مصغَّرُ بَهمة(3)؛ وهي الصَّغير من أولادِ الغَنم (دَاجِنٌ) بكسر الجيم، من الغنم ما يربَّى في البيوتِ، ولا يخرج إلى المرعَى، من الدَّجن وهو الإقامةُ بالمكانِ، ولا تدخلُه التاء؛ لأنَّه صار اسمًا للشَّاة وخرجَ عن الوصفيَّة (فَذَبَحْتُهَا) أنا(4) بسكون الحاء وضم التاء (وَطَحَنَتِ) امرأتِي (الشَّعِيرَ) وسقط «الشَّعير» لأبي ذرٍّ وابنِ عساكرٍ (فَفَرَغَتْ) من طحنِ الشَّعير (إِلَى) أي: مع (فَرَاغِي) من ذبحِ البَهيمة (وَقَطَّعْتُهَا فِي بُرْمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيْتُ) أي: رجعتُ (إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ، فَقَالَتْ) سُهيلة عقبَ رجوعِي إلى رسول الله صلعم : (لَا تَفْضَحْنِي) بفتح الفوقية والضاد المعجمة بينهما فاء ساكنة (بِرَسُولِ اللهِ صلعم وَبِمَنْ مَعَهُ. فَجِئْتُهُ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”ومن معه فجئتُ“ بحذف الموحدة من قولِه: «وبمن» والضَّمير من: «فجئته» (فَسَارَرْتُهُ فَقُلْتُ) لهُ سرًّا: (يَا رَسُولَ اللهِ، ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنَّا) ولأبي ذرٍّ وابنِ عساكرٍ ”وطحنتْ“ أي: امرأته (صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا، فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ) دون العشَرَة من الرِّجال (فَصَاحَ النَّبِيُّ صلعم فَقَالَ: يَا أَهْلَ الخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤرًا) بضم السين المهملة وبعد الهمزة الساكنة راء كذا في الفَرْع بالهمز، وفي «اليونينية» وغيرها بتركه، الطَّعامُ الذي يُدعى إليهِ، أو الطَّعام مطلقًا، وهي لفظةٌ فارسيَّة. قال الطِّيبي: وقد تظاهَرت أحاديث صحيحَة بأنَّ رسولَ الله صلعم تكلَّم بالألفاظِ الفارسيَّة، أي: كقولِه للحسن ╩ : «كخ» ولعبدِ الرَّحمن: «مهيم» أي: ما هذا؟ ولأمِّ خالدٍ: «سَنا سَنا» يعني: حسنة، وهو يدلُّ على جوازهِ، وأمَّا «سُؤر» بالهمزة فهو البقيَّة (فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ) بالحاء المهملة وتشديد التحتية، و«هَلًا»: بفتح الهاء واللام المنونة مخفَّفة، كلمةُ استدعاءٍ فيها حثٌّ، أي: هلمُّوا مسرعينَ (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم ) لجابرٍ: (لَا تُنْزِلُنَّ) بضم الفوقية وكسر الزاي وضم اللام (بُرْمَتَكُمْ) نصب على المفعولية، ولأبي ذرٍّ ”لا تُنْزَلَنَّ“ بفتح الزاي واللام مبنيًا للمفعول ”برمتُكُمْ“ رفع مفعول(5) ناب عن فاعله‼ (وَلَا تَخْبِزُنَّ) بفتح الفوقية وكسر الموحدة وضم الزاي وتشديد النون (عَجِينَكُمْ) نصب، ولأبي ذرٍّ ”ولا يُخبَزنَّ“ بضم التحتية وفتح الموحدة والزاي ”عجينُكُمْ“ رفع (حَتَّى أَجِيءَ) إلى منزلكم.
          قال جابرٌ: (فَجِئْتُ وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلعم يَقْدُمُ النَّاسَ) بضم الدال (حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي، فَقَالَتْ) لمَّا رأتْ كثرةَ النَّاس وقلَّةَ الطَّعام: (بِكَ وَبِكَ) أي: فعلَ الله بكَ كذا وفعلَ بكَ كذا، فالباءُ تتعلَّق بمحذوفٍ (فَقُلْتُ) لها: (قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ) من إخبارهِ صلعم بقلَّة الطَّعام، وقولك: لا تفضَحني (فَأَخْرَجَتْ) أي: المرأة (لَهُ) صلعم (عَجِينًا، فَبَصَقَ فِيهِ) بالصاد: ولأبوي ذرٍّ والوقتِ(6) وابنِ عساكرٍ ”فبسَقَ“ بالسين(7)، ويقالُ: بالزاي أيضًا، لكن قالَ النَّووي: بالصاد في أكثرِ الأصول، وفي بعضها: بالسين المهملة، وهي لغةٌ قليلةٌ، وفي «القاموس»: البُصَاق _كغُرَاب_ والبُسَاق والبُزَاق: ماءُ الفم إذا خرجَ / منه، وما دامَ فيه فَرِيْقٌ (وَبَارَكَ) في العجين، أي: دعا فيهِ بالبركةِ (ثُمَّ عَمَدَ) بفتح الميم، قَصَد (إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ) بالصاد لأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”فيه“ أي: في الطَّعام(8)، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”فيها“ أي: في البُرمة (وَبَارَكَ) في الطَّعام (ثُمَّ قَالَ) ╕ : (ادْعُ خَابِزَةً) كذا في «اليونينية» وغيرها، وفي الفَرْع: ”ادعُ لي خابِزةً“ (فَلْتَخْبِزْ مَعِي) بسكون اللام (وَاقْدَحِي) بسكون القاف وفتح الدال وكسر الحاء المهملتين، أي: اغرِفي (مِنْ بُرْمَتِكُمْ) والمِغْرَفَة تسمَّى المِقْدَحَة، وقدح من المَرق: غرف منهُ(9) (وَلَا تُنْزِلُوهَا) بضم الفوقية وكسر الزاي، أي: البُرمة من فوقِ الأثَافي (وَهُمْ) أي: والحالُ أنَّ القوم الذين أكلوا(10) (أَلْفٌ) والحكمُ للزَّائد لمزيدِ علمِه، فلا يقدحُ ما رُوِي أنَّهم كانوا تسع مئة أو ثلاث مئة.
          قالَ جابرٌ: (فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَقَدْ أَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا) أي: مالُوا عن الطَّعام (وَإِنَّ بُرْمَتَنَا لَتَغِطُّ) بكسر الغين المعجمة وتشديد الطاء المهملة، أي: ممتلئَة تفُور بحيث يسمعُ لهَا غطيطٌ (كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا هُوَ) أي: لم ينقُص من ذلكَ شيءٌ، و«ما»: في «كما» كافَّة، وهي مصححةٌ لدخولِ الكاف على الجملَة، وهي مبتدأ، والخبر محذوف، أي: كما هي قبلَ ذلك.
          وهذا علمٌ من أعلامِ نبوَّته صلعم .
          والحديثُ قد(11) سبقَ مختصَرًا في «الجهادِ» [خ¦3070].


[1] في (ص): «والصاد».
[2] في (س): «والهمزة».
[3] في (د) و(ب): «بهيمة».
[4] «أنا»: ليست في (ص).
[5] «مفعول»: ليست في (ص).
[6] في (ص): «ولأبي ذر وأبي الوقت».
[7] في (ص) زيادة: «المهملة».
[8] قوله: «ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي فيه أي: في الطعام»: ليس في (م) و(ص).
[9] في (د): «وقدحه من المرق غرفه منه».
[10] في (س) و(ص): «كانوا».
[11] «قد»: ليست في (ب) و(د).