إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخره فبارك في الأنصار والمهاجره

          4100- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) عبدُ الله بنُ عَمرو المُقعَد(1) قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ) بنُ سعيدٍ (عَنْ عَبْدِ العَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ ☺ ) أنَّه (قَالَ: جَعَلَ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ الخَنْدَقَ حَوْلَ المَدِينَةِ وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ) جمع متنٍ، قال في «القاموس»: مَتْنا الظَّهْر مُكْتنفا الصُّلْب، ويؤنَّث (وَهُمْ يَقُولُونَ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا                     عَلَى الإِسْلَامِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
          قَالَ) أنسٌ: (يَقُولُ النَّبِيُّ صلعم وَهْوَ يُجِيبُهُمُ:
«اللَّهُمَّ إِنَّهُ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُ الآخِرَهْ                     فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالمُهَاجِرَهْ»)
          وظاهرُه: أنَّهم كانوا يجيبونَه تارةً ويجيبهُم أخرى.
          (قَالَ) أنسُ بنُ مالكٍ(2) بالإسنادِ السَّابق: (يُؤْتَوْنَ) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (بِمِلْءِ كَفِّي مِنَ الشَّعِيرِ) ولأبي ذرٍّ ”من شعيرٍ“، و«كفِّي»: بكسر الفاء على الإفراد، وبفتحها على التثنية، مضافًا فيهما إلى ياء المتكلم (فَيُصْنَعُ) أي: فيُطبخ (لَهُمْ بِإِهَالَةٍ) بكسر الهمزة، ودكةٍ (سَنِخَةٍ) بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح الخاء المعجمة بعدها هاء تأنيث، متغيِّرةِ الرِّيح، فاسدةِ الطَّعم (تُوضَعُ بَيْنَ يَدَي القَوْمِ، وَالقَوْمُ) أي: والحالُ أنَّ القومَ (جِيَاعٌ، وَهْيَ) أي: الإهالةُ (بَشِعَةٌ) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة وبالعين المهملة (فِي الحَلْقِ) بالحاء المهملة، أي: كريهةُ الطَّعم(3) تأخذُ الحَلق (وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ) بضم الميم وسكون النون وكسر الفوقية.
          وقولُ صاحبِ «التَّوضيح» و«التَّنقيح»: قيل: صوابُه(4): منتنةٌ، إلَّا أنَّه يجوز في المؤنَّث غير الحقيقي أن يعبَّر عنهُ بالمذكَّر. تعقَّبه في «المصابيح»: بأنَّه ليسَ بمستقيمٍ من وجهيِن:
          أحدهما: أنَّه جزمَ بأنَّ الصَّوابَ: منتنةٌ، ومقتضَاه أنَّ التَّعبير بمنتنٍ خطَأ، ثمَّ قطعَ بأنَّ المؤنَّث غير الحقيقيِّ يجوز التَّعبير عنهُ بالمذكَّر، فيكون التَّعبير بمنتنٍ صوابًا لا خطأ، ولا يكون صوابُ الكلمة منحصِرًا في التَّعبير عنها بالتَّأنيث، والحاصلُ: أنَّ آخرَ كلامهِ ينقضُ أولَّه.
          ثانيهما(5): إنَّ جعلَ التَّعبير عن المؤنَّثِ غيرِ الحقيقيِّ بالمذكَّر على جهةِ الجواز ضابطًا كليًّا مقطوعٌ(6) ببطلانِه.
          فإن قلت: فمَا وجهُ ما في المتنِ؟ قلتُ: حمل الرِّيح على العَرْف، فعاملَها معامَلته. انتهى.


[1] في (د) و(ب): «العقدي»، وفي (س): «المقعدي».
[2] «ابن مالك»: ليس في (د) و(س).
[3] في (د) و(ب): «المطعم».
[4] «صوابه»: ليس في (ص).
[5] في (ص): «وثانيها».
[6] في (ل): «مقطوعًا».