إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: قل لها لا تنزع البرمة ولا الخبز من التنور حتى آتي

          4101- وبه قال: (حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى) بنِ صفوَان أبو محمَّد السُّلمي الكُوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ) بفتح الهمزة والميم بينهما تحتية ساكنة (عَنْ أَبِيهِ) أيمن الحَبشي، مولى ابنِ عُمر المخزوميِّ القُرشيِّ المكِّيِّ، أنَّه (قَالَ: أَتَيْتُ جَابِرًا) الأنصاريَّ ( ☺ فَقَالَ: إِنَّا يَوْمَ الخَنْدَقِ نَحْفِرُ)‼ بتشديد نون «إنَّا» (فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ) بكاف مضمومة فدال مهملة ساكنة فتحتية، قطعةٌ صلبةٌ من الأرضِ لا يعمَلُ فيها المِعول، ولابن عساكرٍ وأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”كَيْدَةٌ“ بفتح الكاف وسكون التحتية وفتح الدال المهملة، القطعةُ الشَّديدة الصُّلبة من الأرضِ أيضًا(1)، ولابن عساكرٍ أيضًا ”كَبِدة“ بكاف مفتوحة(2) فموحدة مكسورة، أي: قطعةٌ من الأرضِ صُلبة أيضًا، ووقع في روايةِ الأَصيليِّ عن الجُرجاني _فيما ذكره في «فتح الباري»_ ”كندة“ بنون بعد الكاف، وعندَ ابن السَّكن ”كتدة“ بمثناة فوقية، لكن قال القاضي عياض: لا أعرف لها معنى (فَجَاؤُوْا النَّبِيَّ صلعم فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ) ولابنِ عساكرٍ ”كبِدة“ بكسر الموحدة كما مرَّ (عَرَضَتْ فِي الخَنْدَقِ، فَقَالَ) صلعم : (أَنَا نَازِلٌ) في الموضعِ الَّذي فيه الكُديَة (ثُمَّ قَامَ) ╕ (وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ) من الجوعِ (بِحَجَرٍ) مشدودٍ عليِه بعصابةٍ، خشيةَ انحناءِ صلبهِ الكريم بواسطةِ خلاءِ الجَوف؛ إذ وضعُ الحجرِ فوق البَطن مع شدِّ العصابة عليهِ يقيمه، أو هو لتسكينِ حرارةِ الجوع ببردِ الحجرِ (وَلَبِثْنَا) بالمثلثة، مكَثنا / (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا نَذُوقُ ذَوَاقًا) شيئًا مِنْ مأكُولٍ ولا مَشروبٍ، والجملةُ اعتراضيَّة أُورِدت لبيانِ السَّبب في ربطهِ صلعم الحجرَ على بطنهِ (فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلعم المِعْوَلَ) بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو بعدها لام، المسحاةَ (فَضَرَبَ) في الكُديَة (فَعَادَ) المضروبُ (كَثِيبًا) بالمثلثة، رمْلًا (أَهْيَلَ) بهمزة مفتوحة فهاءٌ ساكنة فتحتية مفتوحة فلام (أَوْ) قال: (أَهْيَمَ) بالميم بدل اللام، أي: سائلًا، والشَّكُّ من الرَّاوي، وعند الإسماعيلي: «أهيم» بالميم من غير شكٍّ، قال جابرٌ: (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي إِلَى البَيْتِ) أي: حتَّى آتِي بيتِي، زاد أبو نُعيم في «مستخرجِه»: «فأذن لي» (فَقُلْتُ) أي: لمَّا أتيتُ البيتَ (لاِمْرَأَتِي) سُهيلة بنتُ مسعودٍ الأنصاريَّة: (رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ صلعم شَيْئًا) من الجوعِ (مَا كَانَ فِي ذَلِكِ صَبْرٌ) بكسر الكاف، وسقط لفظ «كان» لأبي ذرٍّ وابنِ عساكرٍ (فَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ) وعندَ يونُس بن بُكير أنَّه صاعٌ (وَعَنَاقٌ) بفتح العين، الأنثى من أولادِ المعزِ (فَذَبَحْتُ العَنَاقَ) بإسكان الحاء، أي: أنَّه ذبَح العَناق بنفسهِ (وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ) امرأته سُهيلة (حَتَّى جَعَلْنَا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”جعلَتِ المرأةُ“ (اللَّحْمَ فِي البُرْمَةِ) بضم الموحدة، القِدر (ثُمَّ جِئْتُ النَّبِيَّ صلعم وَالعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ) اختمَرَ (وَالبُرْمَةُ بَيْنَ الأَثَافِيَّ) بالهمزة والمثلثة المفتوحتين وبعد الألف فاء مكسورة فتحتية مشددة، حجارةٌ ثلاثة توضَع عليها القِدرُ (قَدْ كَادَتْ) قاربَت (أَنْ تَنْضَجَ) بفتح الضاد المعجمة، تطيبُ، وسقطَ لأبي ذرٍّ وابنِ عساكرٍ لفظة «أنْ» (فَقُلْتُ) له ╕ (3)، ولأبي ذرٍّ ”فقالَ له ╕ “(4)‼: (طُعَيِّمٌ) بضم الطاء وتشديد التحتية، مصغَّرًا مبالغةً في تحقيرهِ، قيل: من تمامِ المعروفِ تعجيلُه وتحقيرُه (لِي) صنعته، أو(5) مصنوعٌ (فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ وَرَجُلٌ) معكَ (أَوْ رَجُلَانِ) بالشَّكِّ (قَالَ) ╕ : (كَمْ هُوَ) طعامُك؟ (فَذَكَرْتُ لَهُ) كمِّيَّتَهُ (قَالَ) ╕ : (كَثِيرٌ طَيِّبٌ) ثمَّ (قَالَ) ╕ : (قُلْ لَهَا) أي: لسُهيلة: (لَا تَنْزِعُ البُرْمَةَ) من فوقِ الأَثَافي (وَلَا) تنـزعُ (الخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى آتِيَ) أي: أجيءَ إلى بيتكُم (فَقَالَ) ╕ لمن حضرَ من أصحابهِ، ولأبي ذرٍّ ”قالَ“: (قُومُوا) أي: إلى أكلِ جابرٍ (فَقَامَ المُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ) وسقط قولُه «والأنصارُ» لأبي ذرٍّ وابنِ عساكرٍ، وإثباتُه أوجه، وليونُس بن بكيرٍ في زيادةِ «المغازي»: «فقال للمسلمينَ جميعًا: قومُوا» (فَلَمَّا دَخَلَ) جابرٌ (عَلَى امْرَأَتِهِ) سُهيلة (قَالَ) لها: (وَيْحَكِ) كلمةُ رحمةٍ تقالُ لمن وقعَ في هلكةٍ لا يستحقُّها، نُصِبَ بإضمارِ فعلٍ (جَاءَ النَّبِيُّ صلعم بِالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ مَعَهُمْ. قَالَتْ) له: (هَلْ سَأَلَكَ) صلعم عن شأنِ الطَّعام؟ قال جابرٌ: (قُلْتُ) لها: (نَعَمْ) سألني، وفي روايةِ يونس: «قال: فلقيتُ من الحياءِ ما لَا يعلمُه إلَّا الله ╡، وقلتُ: جاء الخلقُ على صاعٍ من شعيرٍ وعَنَاقٍ، فدخلتُ على امرأتي أقولُ: افتُضحتُ جاءكِ رسولُ الله صلعم بالجندِ أجمعين، فقالتْ: هل كانَ سألكَ كمْ طعامك؟ فقلتُ: نعم. فقالت: الله ورسوله أعلمُ، نحنُ قد أخبرنَاه بما عندنَا، فكشفتْ(6) عنِّي غمًّا شديدًا» (فَقَالَ) ╕ لمن معه: (ادْخُلُوا) البيتَ (وَلَا تَضَاغَطُوا) بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة مشالة، لا تزدحِموا (فَجَعَلَ) ╕ (يَكْسِرُ الخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ، وَيُخَمِّرُ البُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ) يغطيهما (إِذَا أَخَذَ مِنْهُ، وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ) بالتحتية المفتوحة والنون الساكنة والزاي المكسورة والعين المهملة، أي: يأخذُ اللَّحم من البُرْمة، ويقرِّب إلى أصحابهِ (فَلَمْ يَزَلْ يَكْسِرُ الخُبْزَ وَيَغْرِفُ) من البُرْمة (حَتَّى شَبِعُوا وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ. قَالَ) ╕ لامرأةِ جابرٍ: (كُلِي هَذَا) الَّذي بقِي (وَأَهْدِي) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الدال المهملة، أي: ابعثِي منهُ، ثمَّ بيَّن سبب ذلك بقولهِ: (فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ) بفتح الميم، وفي روايةِ يونس: «فلمْ نزلْ نأكلُ ونُهْدِي يومَنا أجمعَ».
          وهذا الحديثُ من أفرادهِ.


[1] «أيضًا»: ليست في (ص).
[2] «مفتوحة»: ليست في (س).
[3] «له ╕ »: ليس في (م).
[4] قوله: «ولأبي ذرٍّ فقال له ╕ »: ليس في (د).
[5] في (د): «أي».
[6] في (ب): «فكشف».