إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا

          3980- 3981- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عُثْمَانُ) ابن أبي شيبةَ إبراهيمَ الكوفيُّ، أنَّه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ) بفتح العين وسكون الموحدة‼، ابنُ سليمان (عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ) عروة (عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻ ) أنَّه (قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ صلعم عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ) يخاطبُ من أُلقي فيه من كفَّار قريشٍ: (هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ) من العقابِ (حَقًّا؟ ثُمَّ قَالَ) ╕ : (إِنَّهُمُ الآنَ يَسْمَعُونَ) ولابنِ عساكرٍ ”ليسمعون“ (مَا أَقُولُ).
          (فَذُكِرَ) _بضم الذال المعجمة وكسر الكاف_ قول ابن عمر (لِعَائِشَةَ) ♦ (فَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلعم : إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ) من التوحيدِ والإيمانِ وغيرهما (هُوَ الحَقُّ، ثُمَّ قَرَأَتْ) قوله: ({إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}[النمل:80] حَتَّى قَرَأَتِ الآيَةَ).
          وأُجيب بأنَّه لا يُسْمعهم وهم موتى، ولكنَّ الله ╡ أحياهُم حتى سمعوا، كما قال قتادةُ، وفي «مغازي ابن إسحاق» رواية يونس(1) بن بُكَير بإسنادٍ جيدٍ، وأخرجَهُ أحمدُ بإسنادٍ حسنٍ، عن عائشة ♦ مثل حديث أبي طلحةَ، وفيه: «ما أنتم بأسمع لِمَا أقول منهم» فإن كان محفوظًا، فلعلَّها رجعَتْ عن الإنكارِ لِمَا ثبتَ عندها من رواية الصَّحابة؛ لكونها لم تشهدْ القصَّة، وقد قال السُّهَيلي: إذا جاز أن يكونوا في هذه الحالةِ عالمين جازَ أن يكونوا سَامعين، وذلك إما بآذانِ رُؤوسهم على قولِ الأكثر، أو بآذانِ قُلوبهم، وقد تمسَّك به من يقول: إنَّ السُّؤال يتوجَّه على الرُّوح والجسدِ، وردَّه من قال: إنَّما يتوجَّه على الرُّوح فقط بأن الإسماعَ يحتملُ أن يكون لأُذن الرَّأس وأُذن(2) القلب، فلم يبق فيه حجَّة. انتهى.
          وقد أنكرَ عذابَ القبرِ بعضُ المعتزلةِ والرَّوافض، محتجِّين بأنَّ الميِّت جمادٌ لا حياةَ له ولا إدراكَ، فتعذيبُه محالٌ.
          وأُجيب بأنَّه يجوزُ أن يخلقَ الله تعالى في جميعِ الأجزاءِ أو في بعضِها نوعًا من الحياة قدر ما يُدرك ألم العذابِ، وهذا لا يلزمُ منه إعادة الرُّوح إلى الجسدِ، ولا أن يتحرَّك ويضطرب، أو يرى أثرَ العذابِ عليه، حتَّى إنَّ الغَرِيق في الماء، والمأكولَ في بطونِ الحيواناتِ والمصلُوب في الهواءِ يُعذَّب، وإن لم نطَّلع نحن عليه.


[1] في (د): «عن يونس».
[2] في (د): «أو أذن».