إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن نبي الله أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش

          3976- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) المسنَديُّ، أنَّه (سَمِعَ رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ) بفتح الراء، و«عُبَادة»: بضم العين وتخفيف الموحدة، ابن العلاء القَيْسيَّ البصريَّ قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ) مهران اليَشْكُريُّ مولاهم البصريُّ (عَنْ قَتَادَةَ) بنِ دِعامة (قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ) ╩ (عَنْ أَبِي طَلْحَةَ) زيد بنِ طلحة الأنصاريِّ: (أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلعم أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ) بعد الفراغِ من القتال (بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ صَنَادِيدِ) كفَّار (قُرَيْشٍ) بفتح الصاد المهملة، من سَادَاتهم وشُجْعانهم ممن قتلَهُ الله ╡ من السَّبعين (فَقُذِفُوا) بضم القاف وكسر المعجمة مبنيًّا للمفعول، فطُرِحوا (فِي طَوِيٍّ) بفتح الطاء المهملة وكسر الواو وتشديد التحتية، بئرٍ مطويَّة، أي: مبنيَّة بالحجارةِ (مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ خَبِيثٍ) غير طيِّب (مُخْبِثٍ) بضم الميم وكسر الموحدة، مِنْ أخبَثَ إذا اتخذَ أصحابًا خبثًا، وطرحَ باقي السَّبعين في مواضعَ أُخرى.
          وعند الواقديِّ _كما نبَّه عليه في «الفتح»_: أنَّ / القليبَ المذكور كان قد حفرهُ رجلٌ من بني النَّار(1)، فناسبَ أن يُلقى فيه هؤلاء الكفَّار (وَكَانَ) النَّبيُّ صلعم (إِذَا ظَهَرَ) أي: غلب‼ (عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالعَرْصَةِ) بفتح العين وسكون الراء، كلُّ موضعٍ واسعٍ لا بناءَ فيه (ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَلَمَّا كَانَ بِبَدْرٍ اليَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ) ╕ (بِرَاحِلَتِهِ فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا، ثُمَّ مَشَى وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ) بفتح الفوقيَّة وكسر الموحدة في الفَرْع، والذي في أصله والنَّاصرية ”واتَّبعَه“ بألفِ وصلٍ وتشديد الفوقيَّة وفتح الموحدة (وَقَالُوا: مَا نُرَى) بضم النون، ما نظنُّ (يَنْطَلِقُ) ╕ (إِلَّا لِبَعْضِ حَاجَتِهِ، حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ) أي: طرفِ البئرِ، ولأبي ذرٍّ ”شفير“ بدل: «شفة»، الرَّكِيّ: بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية، البئرُ قبل أن تُطوى، ويجمعُ بينَهُ وبين السَّابق: بأنَّها كانت مَطْويَّة فاستُهْدِمَت، فصارَتْ كالرَّكِيِّ. (فَجَعَلَ) ╕ (يُنَادِيهِمْ) أي: قتلى كفَّار قريش (بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ) توبيخًا لهم: (يَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ، وَيَا فُلَانُ بْنَ فُلَانٍ). وفي روايةِ حُميدٍ عن أنسٍ ☺ عند أحمد وابن إسحاق: «فنادى: يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة(2)، ويا أميَّة بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام»، ولم يكن أميَّة بن خلف في القليبِ؛ لأنَّه كان ضَخْمًا فانتفخَ، فألقوا عليه من الحجارةِ والتُّراب ما غيَّبه، والظَّاهر أنَّه كان قريبًا من القليبِ، فناداهُ مع من نَادى من رؤسائهم (أَيَسُرُّكُمْ أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا) من الثَّواب (حَقًّا) قال: (فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ) من العذاب (حَقًّا) وتقديرُهُ: وعدَكُم ربُّكم، فحذف «كم» لدَلالةِ ما وعدنا ربُّنا(3) عليه (قَالَ) أبو طلحة: (فَقَالَ عُمَرُ) بنُ الخطَّاب ☺ مُستفهمًا: (يَا رَسُولَ اللهِ، مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ لَا أَرْوَاحَ لَهَا؟) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”فيها“ (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ) ولأبي ذرٍّ والأَصيليِّ وابنِ عساكرٍ ”النَّبيُّ“ ( صلعم : وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ) من القتلى الذين أُلْقوا في القليبِ (قَالَ قَتَادَةُ) بالإسناد السَّابق: (أَحْيَاهُمُ اللهُ حَتَّى أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ) صلعم (تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقِمَةً) كذا بفتح النون وكسر القاف، مصحَّحًا عليهما في حاشية «اليونينية»، وفي أصلها ”نَقِيْمة“ بزيادة تحتية ساكنة بعد القاف، لكنَّه ضبَّبَ عليها، وفي النَّاصرية ”نِقْمة“ بكسر النون وسكون القاف (وَحَسْرَةً وَنَدَمًا(4)) أي: لأجل التَّوبيخ، فالمنصوبات للتَّعليل(5)، ومرادُ قتادةَ بهذا التَّأويل: الردُّ على من أنكرَ أنَّهم لا يسمعون.


[1] في (ص): «الشعار»، وفي (م): «النجار».
[2] «ويا شيبة بن ربيعة»: ليست في (م).
[3] في (د): «ربكم».
[4] في (د): «وندامة».
[5] زيد في (م): «والتوبيخ».