إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف

          3973- وبه قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد، ولابنِ عساكرٍ وأبي ذرٍّ ”حَدَّثني“ بالإفراد أيضًا، وللأَصيليِّ ”حَدَّثنا“ (إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) الفرَّاء الرَّازي الصَّغير قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أَخْبَرنا“ (هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ) قاضي صنعاءَ (عَنْ مَعْمَرٍ) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة، ابنِ راشدٍ عالمِ اليمن (عَنْ هِشَامٍ) ولأبي ذرٍّ ”أَخْبرنا هشام“ (عَنْ) أبيه (عُرْوَةَ) بنِ الزُّبير ☺ أنَّه (قَالَ: كَانَ فِي الزُّبَيْرِ) بن العوام (ثَلَاثُ ضَرَبَاتٍ) بفتح الراء، كالضَّاد (بِالسَّيْفِ؛ إِحْدَاهُنَّ فِي عَاتِقِهِ) ما بين عُنُقه ومنكبه، وقد سبقَ في «مناقبِ الزُّبير» [خ¦3721] من طريقِ ابنِ المبارك عن هشامِ بن عروةَ: إنَّ الضَّربات الثَّلاث كنَّ في عاتقهِ، وكذا في الرِّواية اللَّاحقةِ [خ¦3975] (قَالَ) عروةُ: (إِنْ كُنْتُ لأُدْخِلُ أَصَابِعِي فِيهَا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”فيهنَّ“ واللام في «لأدخل» للتَّأكيد (قَالَ) عروة: (ضُرِبَ) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَوَاحِدَةً يَوْمَ اليَـُرْمُوكِ) بفتح التَّحتية وقد تضم وسكون الراء وضمِّ الميم وبعد الواو الساكنة كاف، موضعٌ بين أذرعاتٍ ودمشقَ، كانت به وقعةٌ عظيمةٌ في خلافةِ عمر ╩ بين المسلمين والروم، وكان أميرُ المسلمين أبو عُبيدة ابنُ الجرَّاح، وأمير الروم من قبل هِرَقل باهانَ _بالموحدة أو الميم_ الأَرْمني، سنة خمس عشرة بعد فتحِ دمشق، وقيل: قبلهُ سنة ثلاث عشرة، واستشهدَ فيها من المسلمين أربعةُ آلاف، وقُتلَ من الروم زهاءَ مئة ألف وخمسة آلاف، وأُسرَ أربعون ألفًا، وكان في المسلمين من البَدْريِّين مئة رجلٍ.
          (قَالَ عُرْوَةُ) بالسَّند السَّابق: (وَقَالَ لِي عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ حِينَ قُتِلَ) أخي (عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ) أي: وأخذ الحجَّاج ما وجدَ له، فأرسلَهُ إلى عبد الملك، وكان من جملتهِ سيفه، وخرجَ عروةُ إلى عبد الملك بالشَّام (يَا عُرْوَةُ، هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ الزُّبَيْرِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا فِيهِ؟ قُلْتُ: فِيهِ فَلَّةٌ) بفتح الفاء‼ واللام المشدَّدة (فُلَّهَا) بضم الفاء وفتح اللام مشدَّدة مبنيًّا للمفعول، والضمير «للفَلَّة» أي: كُسرت قطعة من حدِّه (يَوْمَ) وقعة (بَدْرٍ. قَالَ) عبدُ الملك: (صَدَقْتَ) ثمَّ قال ما هو مشهورٌ للنَّابغة الذُّبياني(1): (بِهِنَّ فُلُولٌ) بضم الفاء واللام مخففة، كسورٌ في حدِّها(2) (مِنْ قِرَاعِ الكَتَائِبِ) بكسر القاف، والكتائب: بالمثناة الفوقيَّة جمع: كتيبةٍ؛ وهي الجيشُ، أي: ضرب الجيوش بعضهم بعضًا، وهذا مصراع بيت أوَّله:
ولا عيبَ فيهِمْ غيرَ أنَّ سُيُوفَهُم                     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
          وهو من المدحِ في معرضِ الذَّمِّ؛ لأنَّ الفَلَّ في السَّيف نقصٌ حسيٌّ، لكنَّه لَمَّا كان دليلًا على قوَّة ساعد صاحبهِ كان من جملةِ كماله (ثُمَّ رَدَّهُ) أي: ردَّ عبدُ الملك السَّيفَ (عَلَى عُرْوَةَ. قَالَ هِشَامٌ) هو: ابنُ عروة، بالسَّند السَّابق: (فَأَقَمْنَاهُ) أي: قوَّمنا السَّيفَ (بَيْنَنَا) بأن نظرنا ما تُسَاوي قيمتُه، فإذا هو يساوي (ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا) من الوارثين، وهو عثمان بنُ عروة أخو هشام. قال هشام: (وَلَوَدِدْتُ) بفتح اللام والواو وكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُهُ).
          ومطابقة / الحديث للتَّرجمة في قوله: «فيه فَلَّة فُلَّها يوم بدر» إذ فيه التَّصريح بحضور الزُّبير وقعة بدرٍ، فدخلَ في عدَّة أصحاب بدرٍ.


[1] في (ل): «الذِّيبانيِّ».
[2] في (د) و(ص) و(م): «حدِّه».