إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن موسى كان رجلًا حييًا ستيرًا

          3404- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”بالجمع“ (إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بن رَاهُوْيَه (قَالَ حَدَّثَنَا) ولأَبَوَي الوقت وذرٍّ: ”أخبرنا“ (رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ) بفتح الرَّاء، و«عُبَادة» بضمِّ العين وتخفيف الموحَّدة، البصريُّ قال‼: (حَدَّثَنَا عَوْفٌ) _بفتح العين المهملة وبعد الواو السَّاكنة فاءٌ_ ابن أبي جميلة المعروف بالأعرابيِّ (عَنِ الحَسَنِ) البصريِّ (وَمُحَمَّدٍ) أي: ابن سيرين (وَخِلَاسٍ) _بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللَّام آخره مهملةٌ_ ابن عمرٍو(1) البصريِّ، ثلاثتهم (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) ولم يسمع الحسن من(2) أبي هريرة عند الحفَّاظ، وما وقع في بعض الرِّوايات ممَّا يخالف ذلك فمحكومٌ بوهمه عندهم، وأمَّا خلاس فقال أبو داود عن أحمد: إنَّه لم يسمع من أبي هريرة، وأمَّا محمَّد بن سيرين فسماعه ثابتٌ من أبي هريرة، أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِنَّ مُوسَى) ╕ (كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا) بفتح الحاء المهملة وكسر التَّحتيَّة وتشديد الثَّانية / أي: كثير الحياء (سِتِّيرًا) بكسر السِّين المهملة والفوقيَّة المشدَّدة؛ أي: مَنْ شأنه وإرادته حبُّ السَّتر (لَا يُرَى) بضمِّ أوَّله وفتح ثانيه (مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا: مَا يَسْتَتِرُ) موسى (هَذَا التَّسَتُّرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ: إِمَّا بَرَصٌ) ولغير أبي ذرٍّ: ”برصٍ“ بالجرِّ (وَإِمَّا أَدَْرَةٌ) بفتح الهمزة في الفرع وأصله وسكون الدَّال، وفيهما أيضًا: بفتحهما، وقال في «الفتح»: بضمِّ الهمزة وسكون الدَّال على المشهور، وبفتحتين أيضًا فيما حكاه الطَّحاويُّ عن بعض مشايخه، ورجَّح الأوَّل، وبالرَّفع لأبي ذرٍّ، وبالجرِّ لغيره(3)، وهو نفخٌ في الخصيتين (وَإِمَّا آفَةٌ) من عطف العامِّ على الخاصِّ (وَإِنَّ اللهَ) ╡ (أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا قَالُوا لِمُوسَى) ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”بموسى“ بمُوحَّدةٍ بدل اللَّام (فَخَلَا) موسى (يَوْمًا وَحْدَهُ) ليغتسل (فَوَضَعَ ثِيَابَهُ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”ثيابًا“ أي(4): له (عَلَى الحَجَرِ) الَّذي كان ثَمَّ (ثُمَّ اغْتَسَلَ) وفي رواية عليِّ بن زيدٍ عن أنسٍ عند أحمد في هذا الحديث: «أنَّ موسى كان إذا أراد أن يَدْخل الماء لم يُلْقِ ثوبه حتَّى يواري عورته في الماء» (فَلَمَّا فَرَغَ) من غسله (أَقْبَلَ إِلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا، وَإِنَّ الحَجَرَ عَدَا) بالعين المهملة، مضى مسرعًا (بِثَوْبِهِ) بالتَّوحيد على إرادة الجنس (فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ) الَّتي كانت إحدى آياته (وَطَلَبَ الحَجَرَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ، ثَوْبِي حَجَرُ) مرتين، أي: أعطني ثوبي يا حجر (حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلأ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَرَأَوْهُ) حال كونه (عُرْيَانًا) حال كونه (أَحْسَنَ مَا خَلَقَ اللهُ، وَأَبْرَأَهُ) تعالى (مِمَّا يَقُولُونَ، وَقَامَ الحَجَرُ فَأَخَذَ) موسى (ثَوْبَهُ) ولأَبَوَي ذرٍّ والوقت: ”بثوبه“ (فَلَبِسَهُ، وَطَفِقَ) بكسر الفاء، أي: جعل (بِالحَجَرِ) يضرب (ضَرْبًا بِعَصَاهُ، فَوَاللهِ إِنَّ بِالحَجَرِ لَنَدَبًا) بفتح النُّون والمهملة، أي: أثرًا (مِنْ أَثَرِ ضَرْبِهِ ثَلَاثًا أَو أَرْبَعًا أَو خَمْسًا) بالشَّكِّ من الرَّاوي. وفي «الغسل» في «باب من اغتسل عريانًا» [خ¦278]: قال أبو هريرة: «والله إنَّه لَنَدَبٌ بالحجر‼، ستَّةٌ أو سبعةٌ» بالشَّكِّ أيضًا، وفيه: أنَّ قوله: «فوالله...» إلى آخره من قول أبي هريرة، وفي رواية حبيب بن سالمٍ عن أبي هريرة عند ابن مردويه: الجزم بستِّ ضرباتٍ، قال النَّوويُّ: فيه معجزتان ظاهرتان لموسى ◙ : مشي الحجر بثوبه، وحصول النَّدب في الحجر بضربه، وفيه: حصول التَّمييز في الجماد.
          (فَذَلِكَ)(5) أي: ما ذُكِر من أذى بني إسرائيل وموسى (قَوْلُهُ) ╡: ({يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى}) بنسبة العيب في بدنه ({فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا}) بإبراز جسده لقومه حتَّى رأوه وعلموا فساد اعتقادهم ({وَكَانَ عِندَ اللهِ وَجِيهًا}[الأحزاب:69]) كريمًا ذا جاهٍ. وقال ابن عبَّاسٍ: «كان حظيًّا عند الله لا يسأل شيئًا إلَّا أعطاه». وقال الحسن: كان مُجاب الدَّعوة، وقيل: كان مُحبَّبًا مقبولًا.


[1] في (د): «عمر»، ولعلَّه تحريفٌ.
[2] في (د): «عن».
[3] «وبالرَّفع لأبي ذرٍّ، وبالجرِّ لغيره»: ليس في (د).
[4] «أي»: ليس في (د).
[5] في (ب): «فلذلك» وهو تحريفٌ.