إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف

          3336- (قَالَ) أي: المؤلِّف فيما وصله في «الأدب المفرد» عن عبد الله بن صالحٍ: (قَالَ(1) اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام: (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الأنصاريِّ (عَنْ عَمْرَةَ) بنت عبد الرَّحمن (عَنْ عَائِشَةَ ♦ ) أنَّها (قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ: الأَرْوَاحُ) الَّتي يقوم بها الجسد وتكون بها الحياة (جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ) أي: جموعٌ مجمعةٌ، وأنواعٌ مختلفةٌ (فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا) توافق في الصِّفات وتناسب في الأخلاق (ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا) لم يوافق ولم يناسب (اخْتَلَفَ) والمراد: الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدُّمها الأجساد. أي: أنَّها خُلِقت أوَّل خلقتها على قسمين من ائتلافٍ واختلافٍ، إذا تقابلت وتواجهت، ومعنى تقابلها: ما جعله الله عليها من السَّعادة والشَّقاوة والأخلاق في مبدأ الخَلْق، فإذا تلاقت الأجساد الَّتي فيها الأرواح في الدُّنيا ائتلفت على حسب ما خُلِقت عليه، ولذا ترى الخيِّر يحبُّ الأخيار ويميل إليهم، والشِّرِّير يحبُّ الأشرار ويميل إليهم. وقال الطِّيبيُّ: الفاء في «فما تعارف» للتَّعقيب، أتبعت المجمل بالتَّفصيل، فدلَّ قوله: «ما تعارف» على تقدُّم اختلاطٍ في الأزل، ثمَّ تفرُّقٍ بعد ذلك في أزمنةٍ متطاولةٍ، ثمَّ ائتلافٍ بعد التَّعارف، كمن فقد أنيسه وإلفه ثمَّ اتَّصل به، وهذا التَّعارف إلهاماتٌ يقذفها الله تعالى في قلوب العباد من غير إشعارٍ منهم بالسَّابقة. وفي حديث ابن مسعودٍ عند العسكريِّ مرفوعًا: «الأرواح جنودٌ مُجنَّدةٌ، تلتقي فتشامُّ كما تشامُّ الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، فلو أنَّ رجلًا مؤمنًا جاء إلى مجلسٍ فيه مئة منافقٍ وليس فيهم(2) إلَّا مؤمنٌ واحدٌ لجاء حتَّى يجلس إليه، ولو أنَّ منافقًا جاء إلى مجلسٍ فيه مئة مؤمنٍ وليس فيه إلَّا منافقٌ واحدٌ لجاء حتَّى يجلس إليه» وللدَّيلميِّ بلا سندٍ عن معاذ بن جبلٍ مرفوعًا: «لو أنَّ رجلًا مؤمنًا دخل مدينةً فيها ألف منافقٍ ومؤمنٌ واحدٌ لشمَّ روحُه روحَ ذلك المؤمن وعكسه» ولأبي نُعَيمٍ في «الحلية» في ترجمة أُويسٍ: أنَّه لمَّا اجتمع به هَرِمُ بن حيَّان العبديُّ ولم يكن لقيه، وخاطبه أُوَيسٌ باسمه، قال له هرمٌ: من أين عرفت اسمي واسم أبي، فوالله ما رأيتك ولا رأيتني؟ قال: عرفت روحي روحَك حيث(3) كلَّمت(4) نفسي نفسَك، وإنَّ المؤمنين يتعارفون بروح الله وإن نأت بهم الدَّار. وقال بعضهم: أقرب القرب مودَّة القلوب وإن تباعدت الأجسام، وأبعد البُعْد تنافر التَّداني. ولبعضهم:
إنَّ القلوب لأجنادٌ مُجنَّدةٌ                     قول الرَّسول فمن ذا فيه يختلفُ
فما تعارف منها فهو مؤتلفٌ                     وما تناكر منها فهو مختلفُ
          ولآخر:
بيني وبينك في المحبَّة نسبةٌ                     مستورةٌ في سرِّ هذا العالم
/
نحنُ الَّذين تحاببتْ أرواحُنا                     من قَبْلِ خلقِ اللهِ طينةَ آدمِ
          وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ من حديث أبي هريرة في «الأدب»‼.
          (وَقَالَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) الغافقيُّ البصريُّ ممَّا وصله الإسماعيليُّ: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) الأنصاريُّ (بِهَذَا) الحديث السَّابق، وليس يحيى بن أيُّوب من شرط المؤلِّف، فلذا(5) أخرج له في الاستشهاد وأورده(6) من الطَّريقين بلا إسنادٍ(7)، فصار أقوى ممَّا لو ساقه بإسناده، قاله الإسماعيليُّ. قال ابن حجرٍ: ويشهد للمتن(8) حديث أبي هريرة عند مسلمٍ.


[1] زيد في (ب) و(س): «وقال» والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[2] في (ب) و(س): «فيه».
[3] في (ب) و(س): «حين».
[4] في (م): «علمت».
[5] في (م): «فلهذا».
[6] في (د): «ورواه».
[7] في (م): «بالإسناد».
[8] في (ب): «المتنين».