إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عمران: اقبلوا البشرى يا بني تميم

          7418- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدَانُ) هو(1) عبد الله بن عثمان بن جبلة بن أبي روَّاد العَتَكيُّ المروزيُّ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) بالحاء المهملة والزاي، محمَّد بن ميمون، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”أخبرنا أبو حمزة“ (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بن مهران الكوفيِّ (عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ) بفتح الشين المعجمة والدال المهملة المشدَّدة، أبي صخرة المحاربيِّ (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ) بضمِّ الميم وسكون الحاء المهملة وبعد الراء زاي، البصريِّ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) بالحاء والصاد المهملتين مُصغَّرًا، ☺ أنَّه (قَالَ: إِنِّي عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم إِذْ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: اقْبَلُوا البُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ) قال في «فتح الباري»: المراد بهذه البِشارة أنَّ مَن أسلم نجا من الخلود في النار، ثمَّ بعد ذلك يترتَّب جزاؤه على وَفق عملِهِ إلَّا أن يعفوَ الله، ولمَّا كان جُلُّ قصدِهِم الاهتمام بالدنيا والاستعطاء (قَالُوا: بَشَّرْتَنَا) بالنّجاة(2) من النّار، وقد جئنا للاستعطاء من المال (فَأَعْطِنَا) منه، زاد في «بدء الخلق» [خ¦3190] «فتغيَّر وجهه» (فَدَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ) وهم الأشعريُّون قوم أبي موسى (فَقَالَ) صلعم لهم: (اقْبَلُوا البُشْرَى يَا أَهْلَ اليَمَنِ إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ، قَالُوا: قَبِلْنَا) ذلك، وزاد ابن حِبَّان من رواية شيبان بن عبد الرحمن عن الأعمش(3) عن جامع: «يا رسول الله» (جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ، وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”عن أوَّل هذا“ (الأَمْرِ) أي: ابتداءِ خَلْق العالم (مَا كَانَ) قال الحافظ ابن حَجَرٍ: ولم أعرف اسمَ قائل ذلك من أهل اليمن (قَالَ) ╕ مُجيبًا لهم: (كَانَ اللهُ) في الأزل منفردًا متوحِّدًا (وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ) وفي رواية أبي معاويةَ: «كان الله قبلَ كلِّ شيءٍ» وقال الطِّيبيُّ: قوله: «ولم يكن شيء قبلَه» حالٌ، وفي المذهب الكوفي خبر، والمعنى يساعدُه؛ إذِ التقديرُ: كان الله منفردًا، وقد جوَّز الأخفش دخول الواو في خبر «كان» وأخواتها نحو: كان زيد وأبوه قائم، على جعل الجملة خبرًا مع الواو تشبيهًا للخبر بالحال، ومال التُّوربشتيُّ إلى أنَّهما جملتان مستقلَّتان (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ) قال الطِّيبيُّ: «كان» في الموضعين بحسب حال مدخولها، فالمراد(4) بالأول: الأزليَّة والقِدَم، وبالثَّاني(5) الحدوث بعد العدم، ثم قال: والحاصل أنَّ عطف قوله: «وكان عرشه على الماء» على قوله: «كان الله» من باب الإخبار عن حصول الجملتين في الوجود، وتفويض الترتيب إلى الذهن، فالواو فيه بمنزلة «ثم» وقال في «الكواكب» قوله: «وكان عرشه على الماء» معطوف على قوله: «كان الله» ولا يلزم منه المعيَّة؛ إذِ اللازم من الواو العاطفة الاجتماع‼ في أصل الثبوت وإن كان هناك تقديم وتأخير، قال غيره: ومن ثَمَّ جاء قوله: «ولم يكن شيء غيره» لنفي توهُّم المعيَّة، ولذا ذكر المؤلِّف ☼ الآية الثَّانية في أوَّل الباب عقب الآية الأُولى؛ ليردَّ توهُّمَ مَن توهَّم من قوله: «كان الله ولم يكن شيء قبله(6)، وكان عرشه على الماء»: أنَّ العرش لم يزل مع الله (ثُمَّ) بعدَ خلق العرش والماء (خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، وَكَتَبَ) أي: قدَّر (فِي) محلِّ (الذِّكْرِ) وهو اللوح المحفوظ (كُلَّ / شَيْءٍ) من الكائنات، قال عِمرانُ بن حُصَينٍ: (ثُمَّ أَتَانِي رَجُلٌ) لم يُسَمَّ (فَقَالَ: يَا عِمْرَانُ أَدْرِكْ نَاقَتَكَ فَقَدْ ذَهَبَتْ، فَانْطَلَقْتُ أَطْلُبُهَا، فَإِذَا السَّرَابُ) الذي يُرَى في شدَّة القَيْظ كأنَّه ماءٌ (يَنْقَطِعُ دُونَهَا) أي: يحول بيني وبين رؤيتها (وَايْمُ اللهِ) وفي «بدء الخلق» [خ¦3191] «فو الله» (لَوَدِدْتُ) بكسر الدّال الأولى وسكون الثّانية (أَنَّهَا) أي: ناقتي (قَدْ ذَهَبَتْ وَلَمْ أَقُمْ) قبل تمام الحديث، تأسَّفَ على ما فاته منه.
          وسبق الحديث في «بدء الوحي» [خ¦3190] [خ¦3191].


[1] «هو»: ليس في (د).
[2] في غير (د) و(س): «النجاة».
[3] قوله: «عن الأعمش» زيادة من صحيح ابن حبان (6142).
[4] في (ع): «والمراد».
[5] في (ع): «الثاني».
[6] في (د) و(ع): «معه».