الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قصة يأجوج ومأجوج

          ░7▒ (باب: قصَّة يَأْجُوج ومَأْجُوج) [إلى آخره]
          ليس هذا الباب في نسخة «الفتح» وهو موجود هاهنا في «نسخة العينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ» وكذا في «النُّسخة الهنديَّة» الَّتي بأيدينا وفي «النُّسخة المصريَّة» الَّتي عليها «حاشية السِّنْديِّ»، واكتفى المصنِّف بالآية ولم يذكر في هذا الباب حديثًا، ولعدم ذكر المصنِّف حديثًا تحت الباب وجوهٌ شهيرة تقدَّمت مرارًا في أمثال هذا الباب، فلا حاجة إلى إعادتها، وهو الأصل السَّابع والعشرون مِنْ أصولِ التَّراجم.
          وهذا كلُّه على «النُّسخ الهنديَّة والمصريَّة» فإنَّ فيها بعد قول الله تعالى: {إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} الآية [الكهف:94]، (باب: قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} إلى آخره [الكهف:83]) فتبقى على هذا هذه التَّرجمة مِنْ غير حديث، ولا يُشكل عدم ذكر الحديث بحسب «نسخة العينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ»، فإنَّه ليس في نسختهما لفظ: (باب) على الآية الثَّانية، أي: قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} [الكهف:83] وأمَّا قصَّة يأجوج ومأجوج فبسط الكلام عليها العلَّامة العينيُّ، وقالَ القَسْطَلَّانيُّ: قال في «الأنوار»: هما قبيلتان مِنْ ولد يافث بن نوح، وقيل: يأجوج مِنَ التُّرك، ومأجوج مِنَ الجيل، وعن قتادة فيما ذكره محيي السُّنَّة: أنَّ يأجوج ومأجوج اثنتان وعشرون قبيلة، بنى ذو القرنين السَّدَّ على إحدى وعشرين قبيلة، وبقيت واحدة، فهم التُّرك، سُمُّوا بالتُّرك لأنَّهم تُركوا خارج السَّدِّ، وعن حذيفة مرفوعًا: إنَّ يأجوج أمَّةٌ ومأجوج أمَّة، كلُّ أمَّة أربع مئة ألف، لا يموت الرَّجل منهم حتَّى ينظر إلى ألف ذكرٍ مِنْ صُلبه، كلُّهم قد حمل السِّلاح، قال وهم ثلاثة أصناف:
          صنف منهم: مثل الأَرْز شجر بالشَّام طوله عشرون ومئة ذراع في السَّماء.
          وصنف منهم طوله وعرضه سواء عشرون ومئة ذراع، وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد.
          وصنف منهم يفترش إحدى / أذنيه ويلتحف بالأخرى، لا يمرُّون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلَّا أكلوه، وفي «كتاب الأمم» لابن عبدِ البرِّ أنَّ مقدار الرُّبع العامر مِنَ الدُّنيا مئة وعشرون سنة، وأنَّ تسعين منها ليأجوج ومأجوج، إلى آخر ما ذكر القَسْطَلَّانيُّ مِنْ أحوالهم.
          وفي «القول الفصيح»: ثمَّ الظَّاهر مِنْ صنع(1) المؤلِّف أنَّه يرى ذا القرنين نَبِيًّا، وإلَّا فلا وجه لذكره في عِداد الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.
          أمَّا ذكرُ يأجوج ومأجوج فلتعلُّق قِصَّتِهم بقصَّة ذي القَرنين، وعلى هذا فالمناسب إمَّا إدراجهما تحت ترجمة ذي القرنين، أو وضعهما في ترجمة مستقلَّة بعد هذه التَّرجمة، أمَّا(2) ما وقع في النُّسخ الموجودة عندنا مِنَ البداية بقصَّتهما والاستتباع بقصَّة ذي القرنين فهذا لا يرجع إلى معنًى صحيح وليس له وجه وجيه عندنا إلَّا أن يكون سوَّى بها تمهيدًا لذكر ذي القرنين، وهذا كما ترى، ولعلَّ أمثال تلك السَّقطات وقعت مِنَ النُّسَّاخ. انتهى.
          باب قول الله ╡: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} إلى آخره [الكهف:83]
          قالَ العلَّامةُ العينيُّ: وذو القرنين المذكور في القرآن المذكور في ألسنة النَّاس بالإسكندر ليس الإسكندر اليونانيَّ، فإنَّه مشرك ووزيره أرسطاطاليسُ، والإسكندر المؤمن الَّذِي ذكره الله في القرآن اسمه عبد الله بن الضَّحَّاك، قاله ابن عبَّاسٍ، وقيل: مصعب بن عبد الله... إلى آخر ما ذُكر في نسبه... وقد جاء في حديث أنَّه مِنْ حِمْيَر وأمُّه روميَّة وأنَّه كان يقال له: ابن الفيلسوف لعقله، قال مُقاتل: هو مِنْ حِمْيَر ووفدَ أبوه إلى الرُّوم فتزوَّج امرأة مِنْ غسَّان فولدت له ذا القرنين عبدًا صالحًا، وقال وهب بن منبِّه: اسمه الإسكندر، قلت: ومِنْ هنا يشارك الإسكندرَ اليونانيَّ في الاسم، وكثير مِنَ النَّاس يُخْطِئون في هذا ويزعمون أنَّ الإسكندر المذكور في القرآن هو هذا، وهذا زعمٌ فاسد، لأنَّ الإسكندر اليونانيَّ الَّذِي بنى الإسكندريَّة كافر مشرك، وذو القرنين عبدٌ صالح مَلَكَ الأرض شرقًا وغربًا، حتَّى ذهب جماعة إلى نبوَّته، منهم الضَّحَّاك وعبد الله بن عمر، وقيل: كان رسولًا ووزيره الخضر ◙، واختلفوا في زمانه، فقيل: في القرن الأوَّل مِنْ ولد يافث بن نوح ╕، وأنَّه وُلد بأرض الرُّوم، وقيل: كان بعد نمرود لعنه الله، وقيل: كان في الفترة بين موسى وعيسى ╨، وقيل: في الفترة بين عيسى ومحمَّد ╨، والأصحُّ أنَّه كان في أيَّام إبراهيم ╕، ولمَّا فاته عين الحياة وحَظِيَ بها الخضرُ ◙ اغتمَّ غمًّا شديدًا، فأيقن الموت فمات بدُومة الجندل وكان منزلَه، وقيل: بشهر زور، وقيل: بأرض بابل وكان قد ترك الدُّنيا وتزهَّد.
          وقال مجاهد: عاش ألف سنة مثل آدم ◙، وقال ابن عساكر: بلغني أنَّه عاش ستًّا وثلاثين سنةً، وسُمِّي ذا القرنين لأنَّه مَلَكَ المشرق والمغرب أو لأنَّه طاف قرنَي الدُّنيا شرقَها وغربَها ولأنَّه كان له قرنان، أي: ضفيرتان، أو لُقِّب بذلك لشجاعته. انتهى مختصرًا مِنَ العينيِّ.
          بزيادة مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          قال الحافظ: وفي إيراد المصنِّف ☼ ترجمة ذي القرنين قبل إبراهيم إشارة إلى توهين قول مَنْ زعم أنَّه الإسكندر اليونانيُّ، لأنَّ الإسكندر كان قريبًا مِنْ زمن عيسى ◙ وبين زمن إبراهيم وعيسى أكثرُ مِنْ ألفَي سنةً... والحقُّ أنَّ الَّذِي قصَّ الله نبأه في القرآن هو المتقدِّم، والفرق بينهما مِنْ أوجُهٍ... ثمَّ ذكر عدَّة أوجهٍ تقدَّم بعضٌ منها في كلام العينيِّ، منها أنَّ ذا القرنين كان مِنَ العرب، وأمَّا الإسكندر فهو مِنَ اليونان، والعرب كلُّها مِنْ ولد سام بن نوح بالاتِّفاق، وإن وقع الاختلاف هل هم كلُّهم مِنْ بني اسماعيل أو لا؟ واليونان مِنْ ولد يافث بن نوح على الرَّاجح فافترقا، ثمَّ بسط الكلام على نبوَّته، وملَخَّصُه أنَّ فيه ثلاثة أقاويل، قيل: كان نَبِيًّا، وقيل: كان مِنَ الملائكة، وقيل: كان مِنَ الملوك وعليه الأكثر، وقال في مقدِّمة «الفتح»: مال البخاريُّ إلى أنَّه نبيٌّ، ولذا ذكره في الأنبياء، / وإلى أنه مقدَّم على إبراهيم ◙، ولذا قدَّم ترجمته على ترجمته.
          ثمَّ اعلم أنَّه وقع في نسخة «الفتح» قبل هذا الباب المذكور: <باب: قول الله تعالى: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} إلى آخره [الأعراف:73]> مع ما ذُكر فيه مِنَ الأحاديث وسيجيء هذا الباب والأحاديث الَّذِي ذكر فيه في «النُّسخ(3) الهنديَّة» وكذا في «المصريَّة» والعينيِّ والقَسْطَلَّانيِّ بعد عدَّة أبواب.
          قال الحافظ: وقع هذا الباب (باب: قوله تعالى: {وإلى ثَمُودَ} إلى آخره) في أكثر «نسخ البخاريِّ» متأخِّرًا عن هذا الموضع بعدَّة أبواب، والصَّواب إثباته هاهنا، وهذا يؤيِّد ما حكاه أبو الوليد الباجيُّ عن أبي ذرٍّ الهَرَويِّ أنَّ «نسخة الأصل مِنَ البخاريِّ» كانت ورقًا غير محبوك، فربَّما وُجدت الورقة في غير موضعها، فنُسخت على ما وُجدت، فوقع في بعض التَّراجم إشكال بحسب ذلك، وإلَّا فقد وَقَع في القرآن ما يدلُّ على أنَّ ثمود كانوا بعد عاد كما كان عاد بعد قوم نوح. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((صنيع)).
[2] في (المطبوع): ((وأما)).
[3] في (المطبوع): ((النسخة)).