الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: الأرواح جنود مجندة

          ░2▒ (باب: الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَة...) إلى آخره
          قال الحافظ: كذا ثبتت هذه التَّرجمة في معظم الرِّوايات، وهي متعلِّقة بترجمة خلق آدم وذرِّيَّته للإشارة إلى أنَّهم رُكِّبوا مِنَ الأجسام والأرواح. انتهى.
          وعندي: بل لأنَّ الأصل في الإنسان الأرواحُ.
          وأمّا معنى الحديث: فقالَ الخطَّابيُّ: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التَّشاكل في الخير والشَّرِّ والصَّلاح والفساد، وأنَّ الخيِّر مِنَ النَّاس يحنُّ إلى شكله، والشِّرِّير نظيرُ ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطِّباع الَّتي جُبلت عليها مِنْ خيرٍ وشرٍّ، فإذا اتَّفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت، ويحتمل أن يراد الإخبارُ عن بدء الخلق في حال الغيب على ما جاء أنَّ الأرواح خُلِقت قبل الأجسام، وكانت تلتقي فتتشاءم، فلمَّا حلَّت بالأجسام تعارفت بالأمر الأوَّل، فصار تعارُفُها وتناكُرُها على ما سبق مِنَ العهد المتقدِّم، وقال غيره: المراد أنَّ الأرواح أوَّل ما خُلقت خُلقت على قسمين، ومعنى تقابلها أنَّ الأجساد الَّتي فيها الأرواح إذا التقت في الدُّنيا ائتلفت أو اختلفت على حسب ما خُلقت عليه الأرواح في الدُّنيا إلى غير ذلك بالتَّعارف.
          قال الحافظ: ولا يعكِّر عليه أنَّ بعض المتنافرَين ربَّما ائتلفا لأنَّه محمول على مبدأ التَّلاقي فإنَّه يتعلَّق بأثر (1)الخِلْقة بغير سبب، وأمَّا في ثاني الحال فيكون مُكتَسَبًا لتجدُّد وصف يقتضي الأُلفة بعد النُّفرة، كإيمان الكافر وإحسان المسيء، وقوله: (جُنُود مجنَّدة) أي: أجناس مجَنَّسَة أو جموع مجمَّعة.
          قال ابن الجوزيِّ: ويستفاد مِنَ الحديث أنَّ الإنسان إذا وجد مِنْ نفسه نَفْرَة ممَّن له فضيلة أو صلاح، فينبغي أن يبحث عن المقتضي لذلك ليسعى في إزالته حتَّى يتخلص مِنَ الوصف المذموم، وكذلك القول في عكسه (2) . انتهى.
          قلت: وبسط الكلام على معنى الحديث في «اليواقيت والجواهر» وكذا بسط القاري في «المرقاة».


[1] كذا في الأصل وفي الفتح باصل الخلقة
[2] فتح الباري:6/370