الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب اليمين على المدعى عليه في الأموال والحدود

          ░20▒ (باب: اليمين على المدَّعَى عَلَيه...) [إلى آخره]
          أي: دون المدَّعي، ويستلزم ذلك شيئين:
          أحدهما: ألَّا تَجِب يمينُ الاستظْهَار.
          والثَّاني: أَّلا يصحَّ القضاء بشاهد واحد ويمين المدَّعِي، واستشهاد المصنِّف بقصَّة ابن شُبْرمة يشير إلى أنَّه أراد الثَّاني.
          وقوله: (في الأموال والحدود) يشير بذلك إلى الرَّدِّ على الكوفيِّين في تخصيصهم اليمين على المدَّعَى عليه في الأموال دون الحدود (1) . انتهى.
          فهذه ثلاث مسائل، وهاهنا مسألة أخرى أيضًا خلافيَّة، وهي ردُّ اليمين على المدَّعِي، فهذه أربع مسائل مناسبة للباب أراد المصنِّف بيان الاثنتين(2) منها، وهي المسألة الثَّانية والثَّالثة.
          أمَّا الأولى منهما وهي مسألة القضاء بشاهد واحد ويمين المدَّعَى ففي «الأوجز» عن «المغني»: أكثر أهل العِلم يرَون ثبوت المال لمدعيه بشاهد ويمين روى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ، وهو قول الفقهاء السَّبعة، ومالك والشَّافعيِّ، وقال النَّخَعيُّ وأصحاب الرَّأي: لا يقضي(3) بشاهد واحد ويمين، وقال محمَّد بن الحسن: مَنْ قضى بالشَّاهد واليمين نقَضْتُ حُكْمَه. انتهى.
          قلت: وميل البخاريِّ إلى مسلك الحنفيَّة، واستدلَّ عليه بالحصر في قوله صلعم: ((شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ)) وبقصَّة ابن شُبْرُمَة، وبحديث ابن عبَّاسٍ.
          وأمَّا المسألة الثَّانية منهما وهي الَّتي أشار إليهما بقوله: (في الأموال والحدود) قال الحافظ: يشير بذلك إلى الرَّدِّ على الكوفيِّين في تخصيصهم اليمين على المدَّعَى عليه في الأموال دون الحدود، وذهب الشَّافعيُّ والجمهور إلى القول بعموم ذلك في الأموال والحدود والنِّكاح ونحوه، واستثنى مالكٌ النِّكاح والطَّلاق... إلى آخر ما قال.
          قلت: نسبة ذلك إلى الجمهور بعيد مِنْ مثل الحافظ قُدِّس سِرُّه فقد بسط الخلاف فيه في «الأوجز» و«هامش اللَّامع» عن الموفَّق وغيره وفي آخره وقد عرفت مِنْ ذلك أنَّ الإمامين مالكًا وأحمد أيضًا خصَّاه بالأموال دون الحدود، فلم يبقَ مِنَ الأئمَّة الأربعة إلَّا الإمامُ الشَّافعيُّ وحده، وأمَّا مالك وأحمد فهما مع الحنفيَّة في هذه المسألة فتدبَّرْ، وأمَّا المسألة الأولى والرَّابعة فسيأتي الكلام عليهما في الباب الآتي.


[1] فتح الباري:5/280
[2] في (المطبوع): ((الاثنين)).
[3] في (المطبوع): ((يُقضى)).