الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب شهادة الأعمى

          ░11▒ (باب: شَهَادة الأَعْمَى وأمْره ونكَاحه) [إلى آخره]
          قال الحافظ: مال المصنِّف إلى إجازة شهادة الأعمى، فأشار إلى الاستدلال لذلك بما ذُكر مِنْ جواز نكاحه ومبايعته وقبول تأذينه، وهو قول مالك واللَّيث، سواء عَلم ذلك قبل العمى أو بعده، وفصَّل الجمهور فأجازوا ما تحمَّله قبل العمى لا بعده، وكذا ما يتنزَّل فيه منزلة المبصر، كأنْ يُشْهِدَه شخصٌ بشيء ويتعلَّق هو به إلى أن يشهد به عليه، وعن الحكم: يجوز في الشَّيء اليسير دون الكثير، وقال أبو حنيفة ومحمَّد: لا تجوز شهادته بحالٍ إلَّا فيما طريقُه الاستفاضة، وليس في جميع ما استدلَّ به المصنِّف دفعٌ للمذهب المفصَّل إذ لا مانع مِنْ حمل المطلق على المقيَّد. انتهى.
          وفي «الهداية»: لا تُقبل شهادة الأعمى، وقال زُفر_ وهو رواية عن أبي حنيفة_: تُقبل فيما يجري فيه التَّسامع، وقال أبو يوسف والشَّافعيُّ: يجوز إذا كان بصيرًا وقت التَّحمُّل. انتهى مختصرًا.
          قالَ الموفَّق: تجوز شهادة الأعمى إذا تَيقَّن الصَّوت، وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ: لا تُقبل شهادته، وأجاز الشَّافعيُّ شهادته بالاستفاضة والتَّرجمة، وإذا أقرَّ عند إذنه ويد الأعمى على رأسه، ثمَّ ضبطه حتَّى حضر عند الحاكم، فشهد عليه، ولم يجزها في غير ذلك لأنَّ الأصوات تشتبه، فلا يحصل اليقين... إلى آخر ما بسطه.
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: التَّرجمة مبنيَّة على عدم الفرق بين الشَّهادة والإخبار أو على قياس أحدهما على الآخر، والجامع بناء كلٍّ منها على العِلم بالواقعة، وأنت تعلم أنَّ في الشَّهادة زيادةَ تأكُّد على الإخبار، فلذلك لم نجوِّز شهادته وإن قُبل إخباره، والجواب عن كلِّ ما أورده المؤلِّف يسير، فأمَّا مَنْ ذكره مِنَ التَّابعين فلا معتبر بهم، وأمَّا ردُّ شهادة / ابن عبَّاسٍ فلا استحالة فيه، ألا ترى مسروقًا ردَّ شهادة الحسن لأبيه عليٍّ رضي الله تعالى عنهم، فلا يبعد أن يردَّ شهادة ابن عبَّاسٍ لعارض عدم اطِّلاعه حقَّ الاطلاع على القضيَّة، وإن كان ممَّن يُهتدى به ويُقتدى. انتهى.
          وبسط الكلام على الباب في «اللَّامع» و«هامشه» أشدَّ البسط، فارجع إليه.