إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا معشر الأنصار ألا ترضون أن يذهب الناس بالدنيا

          4337- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) بندارٌ قال: (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ) التَّميميُّ(1) قاضِي البصرةِ قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ) عبدُ الله (عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) وسقطَ «ابن مالكٍ» لأبي ذرٍّ (عَنْ) جدِّهِ (أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ☺ ) أنَّهُ (قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ) بالغين المعجمة المفتوحة (وَغَيْرُهُمْ(2) بِنَعَمِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ) بالذال المعجمة وتشديد التحتية، وكانت عادتُهم إذا أرادوا التَّثبُّتَ في القتالِ‼ استصحابَ الأهالي ونقلَهم معهم إلى موضعِ القتالِ(3) (وَمَعَ النَّبِيِّ صلعم عَشَرَةُ آلَافٍ وَمِنَ الطُّلَقَاءِ) وسقطَت الواو لأبي ذرٍّ، وعن الكُشمِيهنيِّ: ”والطُّلقاءِ“ بحرف العطف وإسقاط حرف الجرِّ، وهي الصَّواب؛ لأنَّ الطُّلقاء لم يبلغوا ذلكَ ولا عُشْرَ عُشْرِه. وقال الحافظُ ابن حجرٍ _كالكِرْمانيِّ والبَرْماويِّ_: وقيل: إنَّ الواو مقدَّرة عند من جوَّز تقدير حرف العطفِ. قال العينيُّ: وفيه نظرٌ لا يخفى (فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ) أي: متقدِّمًا مقبلًا على العدوِّ، وبهذا التَّقديرِ يجمعُ بين قوله هنا: «حتَّى بقيَ وحدهُ»، وبين قوله في الرِّواياتِ الدَّالَّة على أنَّه بقيَ معه جماعةٌ، فالوحدة بالنِّسبةِ لمباشرةِ القتالِ، والَّذين ثبتوا معه كانوا وراءهُ، وأبو سفيانَ بن الحارث وغيرُه كانوا يخدمونهُ في إمساكِ(4) البغلةِ ونحو ذلك (فَنَادَى) ╕ (يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ) بكسر النون الأولى تثنية نداءٍ بالمد (لَمْ يَخْلِطْ بَيْنَهُمَا، التَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، ثُمَّ التَفَتَ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، وَهْوَ) ╕ (عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ) وفي روايةٍ لمسلم من حديثِ العبَّاسِ: «أنَّهُ صلعم قال: أي عبَّاسَ، نادِ أصحابَ الشَّجرةِ، وكانَ العبَّاسُ صيِّتًا قال: فناديتُ بأعلى صوتي: أينَ أصحابُ الشَّجرةِ؟ قال: فواللهِ لكأنَّ عطفتَهُم حين سمعوا صَوتي عطفةَ البقرِ على أولادِها، فقالوا(5): يا لبيكَ، يا لبيكَ. قال: فاقتتلوا والكفَّارَ، فنظرَ رسولُ الله صلعم وهو على بغلتهِ كالمتطاولِ إلى قتالهم، فقال: هذا حينَ حميَ الوطيسُ» (فَنَزَلَ) عن بغلتهِ، ثمَّ قبضَ من ترابٍ، ولأحمد والحاكم من حديثِ ابنِ مسعودٍ: «ورسولُ الله صلعم على بغلتهِ قُدُمًا(6)، فحادَت بهِ بغلتهُ، فمالَ عن السَّرج، فقلتُ: ارتفِع رفعكَ الله. فقال(7): ناولني كَفًّا من ترابٍ، فضربهُ في وجوههم، فامتلأت أعينهم ترابًا، وجاءَ المهاجرون والأنصار سيوفُهم بأيمانهم كأنَّها الشُّهب». ويجمعُ بين الرِّوايتينِ بأنَّه أولًا قالَ لصاحبهِ: ناولنِي، فناولهُ فرماهُم، ثمَّ نزلَ عن بغلتهِ فأخذَ بيدهِ فرماهُم أيضًا.
          (فَقَالَ) ╕ / : (أَنَا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ فَانْهَزَمَ المُشْرِكُونَ، فَأَصَابَ) ولأبوي ذرٍّ والوقتِ ”وأصابَ“ (يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ فِي المُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ، وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا) من ذلك (فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِذَا كَانَتْ) قضية (شَدِيدَةٌ) كالحربِ، برفعِ «شديدة» ولأبي ذرٍّ: بنصبها (فَنَحْنُ نُدْعَى) بضم النون مبنيًّا للمفعول، نُطْلَبُ (وَيُعْطَى الغَنِيمَةَ غَيْرُنَا؟! فَبَلَغَهُ) ╕ (ذَلِكَ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟! فَسَكَتُوا) وسقطَ لأبي ذرٍّ «عنكُم» وفي طريقِ الزُّهريِّ عن أنسٍ _السَّابقة قريبًا_ [خ¦4331] «فقال فقهاءُ الأنصارِ: أمَّا رؤساؤُنَا _يا رسول الله_ فلم يقولوا شيئًا»‼. ويجمعُ بينهما بأنَّ بعضهم سكتَ وبعضهم أجابَ (فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ صلعم ) سقطَت التَّصلية لأبي ذرٍّ (تَحُوزُونَهُ) بالحاء المهملة (إِلَى بُيُوتِكُمْ؟! قَالُوا: بَلَى) رضينا يا رسول(8) الله (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ. فَقَالَ هِشَامٌ) بالسَّند السَّابق: (يَا أَبَا حَمْزَةَ) وهي كنيةُ أنسٍ، ولأبي ذرٍّ: وقال هشامٌ: قلت: يا أبا حمزة (وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ؟) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”ذلكَ“ باللَّام (قَالَ) أنس: (وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْهُ؟!) استفهامٌ إنكاريٌّ.
          تنبيه(9): كان الوجهُ أن يقدِّم حديثَ أنسٍ هذا على حديثِ ابنِ مسعود الَّذي سبق؛ لتتوالى طرقِ حديثِ أنس. قال الحافظ ابنُ حجرٍ: وأظنُّه من تغيير(10) الرُّواةِ عن الفَـِرَبْريِّ، فإنَّ طريقَ أنسٍ الأخيرةَ سقطَتْ من روايةِ النَّسفيِّ، فلعلَّ البخاريَّ ألحقها، فكُتبت مؤخَّرةً(11) عن مكانها(12).


[1] في (م): «التيمي»، وفي (د): «أبو يَعلى التميمي». وذكروا: في ترجمته أنه: أبو المثنى.
[2] «وغيرهم»: ليست في (ص).
[3] في (ص): «المقاتلة».
[4] في (ص): «إمتساك».
[5] في (م): «قالوا».
[6] «قدمًا»: ليست في (د).
[7] في (س): «قال».
[8] في (م): «برسول».
[9] «تنبيه»: ليست في (ص).
[10] في (ص): «تفسير».
[11] في (ب) و(س): «متأخرة».
[12] في (ص): «مكانه»، وفي (د): «ألحقها فكتب مؤخرًا عن مكانه».