إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث ابن عمر: دخلت على حفصة ونسواتها تنطف

          4108- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) الرَّازيُّ الفرَّاء الصَّغير قال: (أَخْبَرَنَا هِشَامٌ) هو(1) ابنُ يوسُف الصَّنعاني (عَنْ مَعْمَرٍ) هو ابنُ راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بنِ مسلمٍ (عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ) معمر بنُ راشدٍ: (وَأَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ طَاوُسٍ(2)) عبد الله (عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ) ☻ ، أنَّه (قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ) أختي (وَنَسْوَاتُهَا) بفتح النون وسكون السين المهملة وبعد الواو المفتوحة ألف ففوقية فهاء، كذا في الفَرْع وأصله بسكون السين(3)، وضبطَه غير واحدٍ من الشُّراح بفتحها، أي: ضفائر شعرهَا، وعند ابن السَّكن: ”نَوْسَاتهَا“ بتقديم الواو على السين. قال القاضِي عياض: وهو أشبهُ بالصِّحَّة. وقال أبو الوَليد الوَقَّشِيُّ: إنَّه الصَّواب. من نَاسَ ينوسُ، إذا تحرَّك، وتسمَّى الذَّوائب نوساتٌ؛ لأنَّها تتحرَّك كثيرًا. وفي «القاموس»: النَّوْس والنَّوَسان: التَّذَبْذُب، وذو نُواس _بالضم_ زُرْعَةُ بنُ حسَّان من أذواء اليَمن؛ لذُؤابةٍ كانت تَنُوسُ على ظهرهِ. وقال الماورديُّ: نوَساتها _بفتح الواو وسكونها_، أي: ضفائر شعرها.
          (تَنْطُـِفُ) بكسر الطاء المهملة، وتضم لغير أبي ذرٍّ، أي: تقطر، ولعلَّها اغتسلت (قُلْتُ) لها: (قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ) أي: ممَّا وقع بينَ عليٍّ ومعاوية من القتالِ في صِفِّينَ يوم اجتماعِهم على الحكومةِ فيما اختلفوا فيهِ، فراسلوا بقايَا الصَّحابة / من الحرمَين وغيرهما، وتواعدوا على الاجتماعِ لينظروا في ذلك (فَلَمْ يُجْعَلْ لِي) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول (مِنَ الأَمْرِ) أي: من الإمارَة والمُلك (شَيْءٌ. فَقَالَتِ) له حفصَة: (إِلْحَقْ) بهم بكسر الهمزة وفتح الحاء (فَإِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَكَ، وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ عَنْهُمْ فُرْقَةٌ) بينهم ومخالفة (فَلَمْ تَدَعْهُ) أي: لم تدعْ حفصَة أخاهَا عبدَ الله (حَتَّى ذَهَبَ) إلى القومِ في المكانِ الذي كان فيهِ الحَكَمان، وحضر ما وقعَ بينهُم (فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ) بعد قضيَّة التَّحكيم، وحاصلُها: أنَّهم اتَّفقوا على تحكيمِ أبي موسَى الأشعَريِّ من جهةِ عليٍّ، وعَمرو بن العَاص من جهةِ معاوية، فقال عَمرو لأبي موسَى: قُم فأعلِم النَّاس بما اتَّفقنا عليه، فخطبَ أبو موسَى فقال في خطبتهِ: أيُّها النَّاس، إنَّا قد نظرنا في هذهِ فلم نرَ أمرًا أصلح لها ولا ألمَّ لشعثِها من رأي اتَّفقتُ أنا وعَمرو عليهِ، وهو أنَّا نخلع عليًّا ومعاويةَ ونتركُ الأمر شُورى، ونستقبلُ للأمَّة هذا الأمر فيولُّوا عليهم من أحبُّوه، وإنِّي قد خلعتُ عليًّا ومعاوية، ثمَّ تنحَّى وجاء عَمرو فقام مقامَه، فحمدَ الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: إنَّ هذا قد قال ما سمعتُم، وأنَّه قد خلَع صاحبه، وإنِّي قد خلعته كما خلعَه، وأثبتُّ صاحبي معاوية فإنَّه وليُّ عُثمان والمطَالِبُ بدمهِ، وهو أحقُّ النَّاس، فلمَّا انفصلَ الأمرُ على هذا (خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَالَ) معرِّضًا بابن عُمر وأبيه: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ) أمرِ الخلافة (فَلْيُطْلِعْ) بسكون اللام الأولى وكسر الثانية وضم التحتية (لَنَا قَرْنَهُ) بفتح القاف وسكون الراء وفتح النون، أي: فليُبْد لنا رأسَهُ، أو صفحةَ وجههِ، والقرنَان في الوجهِ، أي: فليُظهر لنا نفسَه ولا يُخفها(4) (فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ) بأمرِ الخلافة (مِنْهُ) من عبدِ الله بن عُمر (وَمِنْ أَبِيهِ) عُمر، ولعلَّ معاوية كان رأيهُ في الخِلافة تقديم الفاضِل في القوَّة والمعرفَة والرَّأي على الفاضِل في السَّبق إلى(5) الإسلامِ والدِّين، فلذا أطلقَ أنَّه أحقُّ، ورأى ابنُ عمر خلافَ ذلك، وأنَّه لا يبايَعُ المفضول إلَّا إذا خَشِي الفِتْنةَ، ولذا بايعَ بعد ذلك معاويَة، ثمَّ ابنه يزيد، ونهى بَنِيْهِ عن نقضِ بيعتِه، كما سيأتي _إن شاء الله تعالى_ في «الفتنِ» [خ¦7203] بعون الله تعالى وفضله؛ ولذا (قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ) بميمين مفتوحتين وسكون السين المهملة، ابنِ مالكِ بنِ وهبٍ الفِهريُّ، الصَّحابيُّ الصَّغير لابن عمر: (فَهَلَّا أَجَبْتَهُ؟) أي: معاويةَ عمَّا قاله (قَالَ عَبْدُ اللهِ) بنُ عمر: (فَحَلَلْتُ حُبْوَتِي) بضم الحاء المهملة(6) وسكون الموحدة، ثوبٌ يُلقى على الظَّهر ويربَط طرفَاه على السَّاقين بعد ضمِّهما (وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ) له: (أَحَقُّ بِهَذَا الأَمْرِ) أمرِ الخلافَة (مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ) أبا سُفيان يوم أُحُد ويوم الخَندق (عَلَى الإِسْلَامِ) وأنتما حينئذٍ كافرانِ، وهو عليُّ بنُ أبي طالبٍ (فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ بَيْنَ الجَمْعِ) بسكون الميم، ولأبي ذرٍّ ”بين الجميعِ“ بكسرها وزيادة تحتية (وَتَسْفِكُ الدَّمَ) بفتح الفوقية وكسر الفاء (وَيُحْمَلُ) بضم التحتية وفتح الميم (عَنِّي غَيْرُ ذَلِكَ) ما لم أُرِدْهُ (فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللهُ) ╡ لمن صبر (فِي الجِنَانِ) من الخيراتِ والحُور الحِسان (قَالَ حَبِيبٌ) هو ابنُ مسلمة لابنِ عُمر مصوِّبًا رأيَه: (حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ) بضم أولهما وفتح الفوقيتين.
          (قَالَ مَحْمُودٌ) هو ابنُ غَيْلان المِرْوزيُّ _شيخُ المؤلِّف_ ممَّا وصلَه محمَّد بنُ قدامَة الجوهَريُّ في «كتابِ أخبار الخوارج» له: (عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ) أي: عن معمَر شيخِ هشامِ بن يوسُف بسندهِ إلى ابنِ عُمر، وقال: (وَنَوَْسَاتُهَا) بتقديم الواو على السين، كما سبق معزوًّا لروايةِ ابنِ السَّكن، وفي «المُحكم» لابن سِيْدَه: بسكون الواو وفتحها. وقال العَيْنيُّ: لا وجهَ لذكرِ هذا الحديث هنا، إلَّا أن يُقال: ذكرهُ استطرادًا لِمَا قبلَه؛ لأنَّ كلًّا منهما يتعلَّق بابنِ عُمر. انتهى.
          ويحتمَل أن يكون في قولهِ: «من قاتلك وأباك على الإسلامِ»، المفسَّر بيوم أُحُد والأحزاب؛ إذ إنَّ أبا سُفيان كان قائِدًا للأحزابِ يومئذٍ.
          وهذا الحديثُ من أفرادهِ.


[1] «هو»: ليست في (م).
[2] في (ص): «طارق».
[3] في (س) زيادة: «ونُسِب للمحكم بكسر النون» قال المصحح: قوله: ونسب للمحكم بكسر النون، هو ساقط من بعض النسخ وثابت في بعضها ولا معنى له فالصواب إسقاطه. انتهى مصححه.
[4] في (ص): «يخفيها».
[5] في (م): «على».
[6] «المهملة»: ليس في (ص).