التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سؤرًا فحي هلًا بكم

          3070- قوله: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ): تَقَدَّمَ مرارًا أنَّ هذا هو أبو حفصٍ الفلَّاسُ الحافظُ الصَّيرفيُّ(1)، وكذا تَقَدَّمَ (أَبُو عَاصِمٍ): أنَّه الضَّحَّاك بن مَخْلد، وتَقَدَّمَ (سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ): أنَّه بالمدِّ والقصر.
          قوله: (بُهَيْمَةً): هي تصغير (بَهْمة)؛ وهي الواحدة من أولاد الضَّأن، والبَهْمَة: اسمٌ للذَّكر والأنثى، والسِّخَال: أولاد المِعزى، فإذا اجتمعت البِهَام والسِّخَال، قلت لهما جميعًا: بِهامٌ وبَهْمٌ أيضًا، وقد جعل لبيد أولادَ البقر بِهَامًا في شعره.
          قوله: (وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ): تَقَدَّمَ (الصَّاع)، والاختلاف فيه، وأنَّ الأصحَّ أنَّه زنةُ(2) ستِّ مئةٍ وخمسة وثمانين درهمًا، وخمسة أسباع درهم [خ¦4/47-343].
          قوله: (يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ): تَقَدَّمَ عدد أهل الخندق، والاختلاف فيهم، قريبًا [خ¦56/181-4788] وبعيدًا [خ¦2965]، والله أعلم، وقد قال ابن سعد: (إنَّهم كانوا ثلاثة آلاف)، وأمَّا ابن إسحاق فنَقل عنه ابنُ قَيِّمِ الجَوزيَّة الحافظ شمس الدين في «الهدْي»: أنَّهم كانوا سبعَ مئة، ثُمَّ تعقَّبه بأنَّه غلطٌ مِن خروجهم إلى أُحُد، وقد نقل شيخُنا في مكانٍ عن قتادة _فيما ذكره البيهقيُّ_: أنَّهم كانوا ألفًا، انتهى، وهذا في «الصَّحيح» كما سيأتي [خ¦4102]، قال شيخُنا: (وفي «الجمع بين الصَّحيحين» لأبي نعيم الحدَّاد: «وهم نحوٌ مِن ألفٍ»، وفي لفظ: «ثمانِ مئةٍ أو ثلاث مئةٍ»، ساقها البيهقيُّ في «دلائله») انتهى، والله أعلم. /
          قوله: (قَدْ صَنَعَ سُورًا): هو بضَمِّ السين المُهْمَلَة، وإسكان الواو، ولا يُهمَز، وفي أصلنا نسخة _وعليها (د)؛ إشارةً إلى أنَّها نسخة الدِّمْيَاطيِّ_ مهموزةٌ بالقلم، قال الدِّمْيَاطيُّ: (أي: اتَّخذ طعامًا لدعوة الناس، قال الطَّبَريُّ: هي كلمة فارسيَّة، وقيل: السُّؤْر: الصنيع بلغة الحبشة، وأمَّا قوله: «فأكلوا... وتركوا سؤرًا»؛ فهي عربيَّة، بمعنى: بقيَّة، وكلُّ بقيَّة من ماء أوطعام أو غيره؛ فهو سؤر) انتهى.
          والذي ضبطه الدِّمْيَاطيُّ بخطِّه يؤيِّده ابنُ قرقول؛ لأنَّه أخرجها في (السين مع الهمز)، ولفظ الدِّمْيَاطيِّ نحوُ لفظ ابن قرقول، فلعلَّه أخذه منه، أو مِنَ القاضي عياض، وهو معذورٌ، وقد أخرج اللَّفظة المذكورة ابنُ الأثير في «نهايته» في (سور)، ثُمَّ قال: (واللَّفظة فارسيَّة)، وكذا أخرج هذه اللَّفظة في (سَوَر) الهرويُّ في «غَرِيبَيه»، وهذا الذي أحفظه، وهو تركُ همزِها.
          وقد ذكر النَّوويُّ في «شرح مسلم» في أوائل الجزء الرَّابع _تجزئة أربعةِ أجزاءٍ_ ما لفظه: (أمَّا «السُّور»؛ فبضمِّ السين، وإسكان الواو، غير مهموز، وهو الطَّعام الذي يُدعى إليه، وقيل: الطَّعام مُطلَقًا، وهي لفظة فارسيَّة، وقد تظاهرت أحاديثُ صحيحةٌ بأنَّ رسول الله صلعم تكلَّم بألفاظٍ غيرِ عربيَّةٍ، فيدلُّ على جوازه) انتهى، فهذا الشيخ مُحيِي الدين _مع اطِّلاعِه_ ذكر أنَّها بترك الهمز، وقد ذكر شيخُنا في (غزوة الخندق) في هذا «الشَّرح»: (أنَّ السُّوْر بلا همز، ذكره العسكريُّ في «تلخيصه»، وأمَّا المهموز؛ فهو البقيَّة، عربيٌّ، وقد سلف، وهو العرس بلسان الفُرس، قال الدَّاوديُّ: إلَّا أنَّها أُعرِبَت، قال(3): والذي يُحفَظ أنَّه ╕ تكلَّم به من الأعجميَّة: هذه اللَّفظةُ، وقولُه: «كخ كخ» [خ¦3072]، ولعبد الرَّحْمَن: «مَهْيَم؟» [خ¦2049]؛ [أي]: ما هذا؟ ولأمِّ خالدٍ: «سنَّا سنَّا» [خ¦3071]؛ يعني: حسنة، وذكر ابن فارس أنَّ معنى «مهيم»: ما حالك؟ وما شأنك؟ ولم يذكر أنَّها أعجميَّة، وقال الهرويُّ: إنَّها كلمة يمانيَّة) انتهى، وقد أهمل ألفاظًا أخرى، وفي «سنن ابن ماجه(4)»: «اشكنب دَرْد؟»، ومعناه: أيوجعك بطنُكَ؟ وغير ذلك، والله أعلم.
          قوله: (فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ): يقال: (حيَّ هلًا)، و(حيَّ هلَا)، و(حيَّ هلَ)؛ منصوبة مُخَفَّفة مُشبَّهة بـ(خمسةَ عشرَ)، و(حيَّ هلْ)؛ بالسُّكون؛ لكثرة الحركات، وتشبيهًا بـ(صَهْ، ومَهْ، وبَخْ)، و(حيَّهْلَ)؛ بسكون الهاء، قال ابنُ الأثير: (هما كلمتان جُعِلتا كلمةً واحدةً، وفيها لغاتٌ، وهلًا: حثٌّ واستعجالٌ)، قال النَّوويُّ في «شرحه لمسلم»: (وأمَّا «حيَّ هلًا»؛ فهو بتنوين «هلًا»، وقيل: بلا تنوين على وزن «عَلَى»، ويقال: حيَّ هل(5)، ومعناها: عليك بكذا، [أو ادعُ بكذا]، هكذا قاله أبو عُبيد، وقيل: معناه: اعجَلْ به، وقال الهرويُّ: معناه: هات، وعجِّل به) انتهى، وقال شيخُنا الشارح في (غزوة الخندق) بعد أن تكلَّم على (حيَّ هلا): (ولأبي الحسن: «أَهْلًا بكم»؛ [بالألف]، والصَّحيحُ حذفُها)، انتهى.


[1] في (ب): (السيرفي).
[2] (زنة): ليس في (ب).
[3] (قال): ليس في (ب).
[4] (ماجه): ليس في (ب).
[5] ضبطت في (أ) بالقلم بتنوين الرفع في (هل)!.