التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب السفر بالمصاحف إلى أرض العدو

          قوله: (بَابُ السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ): وفي نسخةٍ: (باب كراهيَة)؛ بإثبات (كراهيَة)، ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال: (الاستدلال بسفر النَّبيِّ صلعم وأصحابه وهم يعلمون القرآنَ على التَّرجمة ضعيفٌ؛ لأنَّها واقعةُ عَينٍ، فلعلَّهم علموه تلقينًا، وهو الغالبُ حينئذٍ، والله أعلم) انتهى.
          ثمَّ اعلم أنَّ في الحديث النَّهيَ عن المسافرة بالمصاحف إلى أرض الكفَّار؛ للعلَّة المذكورة في الحديث، وهي خوف أن ينالوه فينتهكوا حرمته، فإن أُمِنَتْ هذه العلَّة بأن يدخل في جيش المسلمين الظَّاهرِ عليه؛ فلا كراهةَ ولا منعَ منه حينئذٍ؛ لعدم العلَّة، هذا هو الصحيح، وبه قال أبو حنيفة والبخاريُّ / وآخرون، وقال مالكٌ وجماعةٌ من الشافعيَّة بالنَّهي مطلقًا، وحكى ابنُ المنذر عن أبي حنيفة الجوازَ مطلقًا، والصَّحيح عنه ما سبق، والعلَّة المذكورة في الحديث هي من كلامه صلعم، وغلط بعضُ المالكيَّة، فزعم أنَّها مِن كلام مالك، وقال شيخُنا: (إنَّ أبا عمر قال: وهو مَرْفوعٌ صحيحٌ(1))، ونقل شيخُنا ذلك عن غيره، ثمَّ قال: (وقال الخطيب: «مخافة...» إلى آخره: هو قولُ مالكٍ، بيَّن ذلك أبو مصعب وابنُ وَهْب وابنُ القاسم، والمسنَدُ النَّهيُ حسب)، ثمَّ نقل عن الحُمَيديِّ نحوَ ما نقله المِزِّيُّ عن البَرقانيِّ الآتي قريبًا.
          واتَّفق العلماء على أنَّه يجوز أن يُكتَب لهم كتابٌ فيه آيةٌ أو آياتٌ، والحجَّة فيه كتاب النَّبيِّ صلعم إلى هرقل، قال القاضي عياض: (وكره مالكٌ معاملةَ الكفَّار بالدَّراهم التي فيها اسم الله تعالى أو ذِكْره سبحانه وتعالى)، والله أعلم.
          قوله: (بَابُ كَراهِيَةِ): تَقَدَّم مرَّاتٍ أنَّها بتخفيف الياء، وأنَّه يجوز من حيث اللُّغةُ: كراهي [خ¦417].
          قوله(2): (وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ...) إلى آخره: اعترض ابنُ بطَّال على قوله: (وكذلك يُروى...) إلى آخره، فقال: (هذا الباب وقع فيه غلطٌ مِن الناسخ، والصَّواب: البُداءة بالمسنَد، ثمَّ بقوله: «وكذلك يُروى...» إلى آخره)، قال شيخُنا: (وكذا فعله أبو نُعَيم) انتهى؛ يعني: أنَّ الصَّواب والعادة: أن يبدأ في الباب بالحديث المُسنَد فيه، ثمَّ يقول: (وكذلك يُروى)، ويذكر المتابعة، وهو اعتراضٌ جيِّدٌ حسنٌ، وجوابه فيما قيل: إنَّه احتاج إلى ذكر المتابعة؛ لأنَّ بعضَهم زاد في الحديث: (مخافة أن يناله العدوُّ)، وجعله من كلام النَّبيِّ صلعم، ولم يصحَّ، وإنَّما هو مِن قول مالك، والله أعلم، وقد قَدَّمتُ أعلاه: هل هو مَرْفوعٌ أو مِن قول مالك.
          و(مُحَمَّد بن بِشر) هذا: هو العبديُّ، أبو عبد الله الكوفيُّ، عن هشامِ بنِ عُروةَ وخلقٍ، وعنه: عَبْدٌ وأحمدُ بن الفُرات، قال أبو داود(3): (هو أحفظُ مَن كان بالكوفة)، انتهى، وهو ثبتٌ، أخرج له الجماعة(4)، ووثَّقه ابنُ مَعِين، تُوُفِّيَ سنة ░203هـ▒، و(عُبيد الله): هو ابنُ عُمَرَ بنِ حفص بن عاصم بن عُمرَ بنِ الخَطَّاب، وقد ذكره بصيغة تمريضٍ، ولم يُخرِّجه أحدٌ مِن أصحاب الكتب إلَّا ما هنا مُمرَّضًا، قال المِزِّيُّ في «أطرافه»: (قال أبو بكر البَرقانيُّ: لم يقل: «كره» إلَّا مُحَمَّد بن بشرٍ، رواه أبو همَّام عن مُحَمَّد بن بشرٍ كذلك، ورواه عن عبيد الله بن عمر جماعةٌ، فاتَّفقوا على لفظ(5) النَّهي(6))، انتهى.
          قال البخاريُّ: (وَتَابَعَهُ ابنُ إِسْحَاقَ)؛ يعني: تابع ابنُ إسحاق عبيدَ الله على روايته عن نافع، وهو مُحَمَّد بن إسحاق بن يسار، الإمام في المغازي، تَقَدَّم أنَّ حديثَه حسنٌ وفوق الحسن، وليس من شرط البخاريِّ؛ إنَّما أخرج له تعليقًا، ومسلمٌ مقرونًا، وأخرج له بقيَّةُ الأربعة، وقد تَقَدَّم الكلام فيه(7) [خ¦663] [خ¦1468]، ولم يُخرِّج متابعةَ مُحَمَّدِ بنِ إسحاق أحدٌ مِن أصحاب الكتب السِّتَّة إلَّا ما هنا(8) مُمرَّضًا.
          قوله: (وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ): (يَعْلَمون): بفتح أوَّله وإسكان ثانيه، كذا في أصلنا، وفي نسخة لم تكن في أصلنا: (يُعَلِّـَمون): بضَمِّ أوَّله، وفتح ثانيه، واللَّام مُشدَّدة مفتوحة ومكسورة، فهذه ثلاث رواياتٍ، والله أعلم.


[1] في (ب): (وهو صحيح مَرْفوعٌ)، «التمهيد» ░15/254▒.
[2] (قوله): سقط من (ب).
[3] (أبو داود): سقط من (ب).
[4] (الجماعة): سقط من (ب).
[5] في (ب): (اللفظ).
[6] (النهي): سقط من (ب).
[7] (فيه): سقط من (ب).
[8] في (ب): (ههنا).