التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب فضل الصوم في سبيل الله

          قوله: (بَابُ فَضْلِ الصَّوْمِ فِي سَبِيلِ اللهِ): هل المراد بـ(سبيل الله): الجهاد، كما هو مفهومُ تبويبِ(1) البخاريِّ في هذا الباب وجعله هنا؟ أو المراد أفعالُ الخيرِ كلُّها، فالجهاد فَرْدٌ من أفرادها؟ قال ابنُ دقيق العيد العلَّامة أبو الفتح القشيريُّ في «شرح العمدة»: (الأكثر فيه استعمالُه في الجهاد، ويحتمل أن يريد بـ«سبيل الله»: طاعتَه كيف كانت، ويُعبَّر بذلك عن صحَّة القصد والنِّيَّة فيه، والأوَّلُ أقربُ إلى العُرْف، وقد ورد في بعض الأحاديث جعلُ الحجِّ أو سفره في سبيل الله، وهو استعمالٌ وضعيٌّ)، انتهى، وأمَّا النَّوويُّ، فلم يتعرَّض لتفسير (سبيل(2) الله) في «شرح مسلم» في هذا الحديث، لكن قال: (قال القاضي عياض في قوله صلعم: «من أنفق زوجين في سبيل الله»: قيل: هو على العُموم في جميع وجوه الخير، وقيل: مخصوص بالجهاد، والأوَّل أصحُّ وأظهرُ)، انتهى، وأقرَّه الشَّيخ محيي الدِّين عليه، والبخاريُّ أخرج الحديث المذكور بعد هذا [خ¦2841]، وبوَّب عليه: (باب فضل النَّفقة في سبيل الله) في (كتاب الجهاد) أيضًا، وممَّا يدلُّ على أنَّ المرادَ _والله أعلم_ جميعُ الطَّاعات ما قاله أبو عبس بن جَبْر _كما ذكره البخاريُّ في (بابِ المشي إلى الجمعة)_ عن عَبَاية بنِ رفاعة: قال: (أدركني أبو عبسٍ وأنا أذهب إلى الجمعة، فقال: سمعتُ رسول الله صلعم يقول: «مَنِ اغبرَّت قدماه في سبيل الله، حرَّمه الله على النَّار») [خ¦907]، فهذا أبو عبس استدلَّ بذلك على أنَّ سبيلَ الله الطاعةُ من حيث هي، والحديث المذكور في «التِّرمذيِّ» و«النَّسائيِّ» أيضًا، والله أعلم. /


[1] في (ب): (بتبويب).
[2] في (ب): (بسبيل).