التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب من تكلم بالفارسية والرطانة

          قوله: (مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: (والسُّور: الوليمة بالفارسيَّة، مَوضعُ التَّرجمة في الجميع مطابقٌ إلَّا قولَه صلعم: «كخ كخ»، ووجه مناسبته في الجملة: أنَّه خاطبه ╕ بما [يفهم ممَّا] لا يتكلَّم به الرَّجل مع الرَّجل، فهو كمخاطبة العجميِّ بما يفهمه مِن لغته) انتهى، وقال النَّوويُّ بعد أن ضبطها وذكر معناها: (قال الدَّاوديُّ: هي عجميَّة مُعرَّبة؛ بمعنى «بئس»، وقد أشار إلى هذا البُخاريُّ بقوله في ترجمةٍ: «باب مَن تكلَّم بالفارسيَّة والرَّطانة») انتهى، وفي «المطالع» لابن قُرقُول: (قال الدَّاوديُّ: «وهي كلمةٌ أعجميَّةٌ عُرِّبت») انتهى، ورأيتُ في حاشية بخطِّ شيخِنا الأستاذِ أبي جعفر: (فقال النَّبيُّ صلعم بالفارسيَّة: «كخ كخ»)، وعُمِل على (الفارسيَّة) صورة (خـ)؛ يعني: نسخة، ففي ثبوت هذه النُّسخة _إن ثبتت_ حجَّةٌ للدَّاوديِّ، والله أعلم.
          قوله: (بِالفَارِسِيَّةِ): هي التي يسمِّيها أهلُ بلادنا العجميَّةَ، وإنَّما العجميَّةُ أعمُّ؛ لأنَّها ما عدا العربيَّةَ، والله أعلم.
          قوله: (وَالرَِّطَانَةِ): هي بفتح الرَّاء وكسرها، قال الجوهريُّ في «صحاحه»: (الرَِّطانة: الكلام بالأعجميَّة) انتهى، والتَّراطُن: كلامٌ لا يفهمه الجمهور(1)، وإنَّما هو مواضعةٌ بين اثنين أو جماعة، والعرب تخصُّ بها _غالبًا_ كلامَ العجم.
          كذا نصَّ على الفتح في الرَّاء غيرُ واحد _منهم: الجوهريُّ_ من أهل اللُّغة والحديث، وإنَّما ذكرت ذلك وإن كان معروفًا، إلَّا أن بعضَ أهل العلم سمعني أتكلَّم بها بالكسر، فردَّ عليَّ الفتحَ، وقال: لا أعلمه إلَّا بالفتح.
          فائدة: روى الحاكم في «مستدركه» بإسناد إلى ابن عمر ☻ مرفوعًا: «مَن أحسنَ منكم أن يتكلَّم بالعربيَّة؛ فلا يتكلَّمَنَّ بالفارسيَّة؛ فإنَّه يُورث النِّفاق»، قال الإمام الذَّهَبيُّ في «تلخيصه»: (عُمر _يعني: الذي في سنده، وهو ابن هارون_ كذَّبه ابنُ مَعِين، وتركه الجماعة)، وروى الحاكم أيضًا بإسناده إلى أنس مرفوعًا: «مَن تكلَّم بالفارسيَّة؛ زادت في خبثه، ونقصت مِن مروءته»، قال الذَّهَبيُّ في «تلخيصه»: (ليس بصحيح، وإسناده واهٍ بمرَّة) انتهى، وقد ذكر ابنُ تيمية الحافظُ أبو العَبَّاس في «الصِّراط المستقيم» كلامًا في كلام الرَّجل يُحسِنُ العربيَّة بغيرها، وذكر فيه تفصيلًا؛ فانظره من «الصِّراط المستقيم».
          قوله: ({وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ}[الروم:22]): أي: لغاتكم، قيل: الألسنة اثنان وسبعون لسانًا؛ تسعةَ عشرَ في ولد سام، وسبعةَ عشرَ في ولد حام، وستَّةٌ وثلاثون في ولد يافِثَ، قال شيخُنا: (وكان أصل اختلاف اللُّغات من هود، ألقى الله تعالى على ألسنة كلِّ فريق اللِّسانَ الذي يتكلَّمون به ليلًا، فأصبحوا لا يُحسِنون غيرَه) انتهى، وقيل: اختلاف الألسنة: الأصوات والنغمات، [وهو] دليل على كمال حكمته، وتمام قدرته.
          قوله تعالى: ({وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}[إبراهيم:4]): أي: بِلُغَتِهِم؛ تسميةً بالسَّبب، وفي بعض التَّفاسير مرفوعًا: «أُرسِل كلُّ نبيٍّ إلى أمَّته بلسانها، وأَرسلَني [الله] إلى كلِّ أحمرَ وأسودَ(2) مِن خَلْقه»، أو {بِلِسَانِ قَوْمِهِ}: بكلامهم المُعتاد باللِّسان، والله أعلم.


[1] زيد في (ب): (انتهى).
[2] في (ب): (كل أسود وأحمر).