التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب الطعام عند القدوم

          قوله: (بَابُ الطَّعَامِ عِنْدَ الْقُدُومِ): هذا الطعام يُسمَّى النقيعة، وهل يصنعه القادم أو المقدوم عليه؟ وتبويب البُخاريِّ يحتمل الاثنين، ولكنَّ الحديث الذي ذكره تعيَّن فيه القادمُ، والنقيعة: مأخوذة من النقع؛ وهو الغبار، قال الله تعالى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا}[العاديات:4]، قال النَّوويُّ من «زوائده» في «الروضة»: (ليس فيه بيانُ مَن يتَّخذها؛ أهو القادم أو المقدوم عليه؟ فيه خلافٌ لأهل اللغة، فنقل الأزهريُّ عن الفرَّاء: أنَّه القادمُ، وقال صاحبُ «المحكم»: هو طعام يُصنَع للقادم، وهو الأظهر)، انتهى، وهو يقتضي أنَّه لم يقف فيه على نقلٍ لأصحابِ الشَّافِعيِّ، وقد صَرَّحَ بذلك الحَلِيميُّ في «منهاجه» في آخر (كتاب الحجِّ(1))، وجزم بالأوَّل، ولفظه: (ويستحبُّ للمسافر إذا رجع واستقرَّ في منزله أن يُطعِمَ الناسَ)، ثُمَّ نقلَ فيه آثارًا عن الصَّحَابة ♥ وغيرِهم.
          قوله: (وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفْطِرُ لِمَنْ يَغْشَاهُ): قال الدِّمْيَاطيُّ: (أي: إذا قدم من سفر؛ أطعم مَن يغشاه، وأفطر معهم؛ أي: ترك قضاء رمضان؛ لأنَّه كان لا يصوم رمضان في السفر، فإذا انقضى الإطعام، ابتدأ قضاء رمضان الذي أفطر في السفر)، انتهى.
          والظاهر أنَّ في نسخة الدِّمْيَاطيِّ بـ«البُخاريِّ» شيئًا لم يكن في أصلنا، ولا رأيتُه في نسخةٍ أخرى صحيحةٍ راجعتُها، ولعلَّه بعد (يغشاه): (وأفطر معهم)، وهذا تعطيه عبارة الدِّمْيَاطيِّ؛ فانظرها.
          وأمَّا قوله في «الصحيح»: (يُفطِر)؛ فهو في بعض نسخ «الصحيح» بتشديد الطاء، وفي أصلنا بالتخفيف، وعبارة الدِّمْيَاطيِّ تعطي أنَّه بالتخفيف، ولكن ينبغي إذا قُرئ بالتشديد؛ يُقرأ (مَنْ) بغير لام، وإذا قُرئ بالتخفيف؛ يزاد لام في (مَنْ)، فإنَّ في بعض النسخ كأصلِنا إثباتَ اللام في (مَنْ)، والله أعلم.


[1] في (ب): (الحجر)، وهو تحريفٌ.