التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب الغزو على الحمير

          قوله: (بَابُ الغَزْوِ عَلَى الحَمِيرِ): كذا هذا الباب في أصلنا، وقد عُلِّم عليه علامة راويه، وهو ثابت في بعض الروايات، ولم يذكر فيه حديثًا، ولم يذكر هذا البابَ شيخُنا في «شرحه»، وكأنَّه داخلٌ في الباب الذي بعده، وهو (باب بغلة النَّبيِّ صلعم)، وأخرج فيه: (أنَّه ╕ كان يوم حنين على بغلةٍ بيضاءَ)، أو أنَّ معنى كلامه _والله أعلم_: هل غزا ╕ على حمار أم لا؟ ولم يَثبُت له فيه شيء، وقد روى التِّرمذيُّ في «جامعه» وابنُ ماجه في «سننه» من حديث أنسٍ(1) ☺ قال: (كان رسولُ الله صلعم يعود المريض، ويشهد الجنازة، ويركب الحمار، ويجيب دعوة العبد، وكان يوم بني قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف، عليه إكافٌ من ليف)، قال فيه التِّرمذيُّ: (لا نعرفه إلَّا من حديث مسلم)؛ يعني: ابن كيسان المُلَائيَّ الأعور الكوفيَّ، قال: (ومُسْلِمٌ يُضعَّف)، انتهى، وأخرجه الحاكمُ في (تفسير سورة ق)، وقال: (صحيحٌ)، ولم يتعقَّبْه الذَّهبيُّ، وفيه مسلمٌ الأعورُ؛ فاعلمه، وأخرجه عبْدُ بنُ حُمَيد في «مسنده» من طريق مسلمٍ الأعورِ عن أنسٍ، ومسلمٌ واهٍ، وأخرج أيضًا عبدٌ في «مسنده» بسندٍ فيه مسلمٌ المذكورُ:(أنَّه ╕ كان يوم خيبر ويوم النضير على حمار عليه إكافٌ مخطومٌ بحبلٍ من ليف).
          تنبيهٌ: إن صحَّ أنَّه ╕ غزا خيبر على حمار، وكذا قريظة، وبني النضير؛ لأنَّ فيه إشارةً إلى ما ذكره ابنُ إسحاق في كتابه ╕ إلى النَّجاشيِّ، وفي الكتاب: (فقال النَّجاشيُّ: أشهد للنَّبي الذي ينتظره أهل الكتاب، وأنَّ بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل...)؛ فذكر الحديث، ولهذا غزاهم _أعني: خيبر، وقريظة، والنَّضير_ على حمارٍ؛ إشارة إلى ما عندهم عن موسى(2) من أنَّه بَشَّر براكب الحمار، كما قاله النَّجاشيُّ، والله أعلم.
          واعلم أنَّ مذهبَ الشَّافعيِّ أنَّ مَن حضر الوقعة على بعير أو فيل أو بغل أو حمار؛ لا يُعطَى سهم المركوب؛ لأنَّ هذه لا تصلح للحرب صلاحيةَ الخيل، ولا يتأتَّى بها الكرُّ والفرُّ، وبهما تحصل النُّصرة، واستأنسوا لذلك بقوله تعالى: {وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ}(3) [الأنفال:60]، نعم؛ يعطى راكبُ هذه الدَّوابِّ سهمَه، ويُرضَخ له، ويُفاوَت بينها، والله أعلم.


[1] (أنس): سقط من (ب).
[2] زيد في (ب): (◙).
[3] زيد في (ب): {تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ}.