التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب ما قيل في الجرس ونحوه في أعناق الإبل

          قوله: (بَابُ مَا قِيلَ فِي الْجَرَسِ وَنَحْوِهِ فِي أَعْنَاقِ الإِبِلِ): إن قلت: لا ذِكْر للجرس في الحديث؛ قلتُ: تمحَّل(1) له بعضُهم بقول الخطَّابيِّ: (أمر بقطع القلائد؛ لأنَّهم كانوا يُعلِّقون فيها الأجراسَ)، وليس بجيِّدٍ، ففي «المُوَطَّآت» للدارقطنيِّ من رواية عثمان بن عُمرَ(2) عن مالكٍ به، وفيه: (ولا جرسٌ في عنق بعيرٍ إلَّا قُطِع)، ومن عادته الإحالةُ على أطراف الحديث في التبويب، قاله شيخُنا، انتهى، ثمَّ ذكر بعد هذا بقليل من عند ابن حِبَّان حديثًا من طريق أنسٍ ☺: (أمرَ بقطع الأجراس)، فيحتمل أنَّه أراد هذا، ولكنَّ الأوَّلَ أظهرُ في إرادته، والله أعلم، انتهى، ولكن في «مسلم»: قال مالكٌ عَقيبه: (أُرى ذلك من العين)، وفي «المُوَطَّأ» إثر الحديث المخرَّج هنا: (إنَّما كُرِه من أجل أنَّهم يزعُمون أنَّها تدفع العين)(3)؛ يعني: أنَّ النهيَ مختصٌّ بمَن فعل ذلك بسبب(4) دفع ضرر العين، وأمَّا مَن فعله لغير ذلك من زينةٍ أو غيرِها(5)؛ فلا بأسَ به.
          تنبيهٌ: قال ابن الصلاح في «فتاويه»(6): (كتابةُ الحروز واستعمالُها مكروهٌ، وتركُ تعليقِها هو المختار)، وقال في فتوى أخرى: (يجوز تعليق الحروز(7) التي فيها قرآنٌ على النساء والصبيان والرِّجال، ويُجعَل عليها شمعٌ ونحوُه، ويُستوثَق من النساء وشبههنَّ بالتحذير من دخول الخلاء بها)، والمختار: أنَّه لا يُكرَه إذا جُعِل عليه شمعٌ ونحوه؛ لأنَّه لم يرد فيه نهيٌ، ونقل ابنُ جريرٍ الطَّبَريُّ عن مالكٍ نحوَ هذا فقال: (قال مالكٌ: لا بأس بما يُعلَّق على النساء الحُيَّض والصبيان من القرآن إذا جُعِل في كنٍّ، كقصبة حديد أو جلد، يُحرَز عليه)، قال النَّوويُّ: (وقد يُستَدلُّ للإباحة بحديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ رسول الله صلعم كان يُعلِّمهم من الفزع: «أعوذ بكلمات الله التامَّة، من غضبه، وشرِّ عباده، ومن هَمَزات الشياطين، وأعوذ بك ربِّ أن يحضرون»، قال: وكان عبد الله بن عمرو يُعلِّمهن مَن عقل من بنيه، ومن لم يعقل كتبه، فأعلقه عليه، رواه أبو داود، والتِّرمذيُّ وقال: حديثٌ حسنٌ) انتهى.
          قوله: (فِي الْجَرَسِ): هو بفتح الجيم والراء، وبالسين المهملة، قال ابن قُرقُول: (والجَرَس: الجُلجُل، وأصله: صوتٌ متدارَك، ويُقال للصوت: جَرْسٌ وجِرْسٌ، قال القاضي عياض: وقيَّدناه في قوله: «لا تصحب الملائكة رفقةً فيها جرْس» بإسكان الراء، انتهى، وفي «البخاريِّ»: «الجَرْس والجَرَس واحدٌ: الصوت الخفيُّ»، وهذا صحيحٌ، واختار ابنُ الأنباريِّ الفتحَ إذا لم يتقدَّمه حسٌّ، فإن تقدَّمه، فالكسر)، قال ابنُ قُرقُول: (وهذا قولُ فصحاءِ العرب)، انتهى.
          والذي رأيتُه في «البخاريِّ»: (الحَسِيسُ والحِسُّ والجَرْسُ والهَمْسُ واحدٌ، وهو من الصوت الخفيِّ)، كذا رأيته في (سورة الأنبياء) عليهم الصَّلاة والسَّلام [خ¦4739]، والله أعلم.


[1] في (ب): (لمحل)، وهو تحريفٌ، ومعنى (تمحَّله): طلبه بحيلةٍ وتكلُّفٍ.
[2] في (أ) تبعًا لـ«التوضيح»: (عمر بن عثمان)، وكُتِب فوقها: (يُحرَّر)، وفي (ب): (عمرو بن عثمان)، والمثبت من «فتح الباري» ░6/165▒ و«عمدة القاري» ░12/69▒، وهو عثمان بن عمر بن فارس العبديُّ.
[3] قوله: (وفي «المُوَطَّأ» إثر... العين) مستدركٌ في (أ)، وقول مالكٍ في «الموطَّأ» ░2/937▒: (أرى ذلك من العين) كما نقله مسلمٌ عنه، وقال البِرماويُّ في «اللامع الصبيح» ░9/42▒: (وقيل: مِن أَجْل أنَّهم كانوا يزعُمون أنَّها تدفع العَين، وكذا قال مالكٌ في «الموطَّأ» عَقيب هذا الحديث).
[4] في (ب): (لسبب).
[5] في (ب): (زينة ونحوها).
[6] في (ب): (فتاواه)، وكلاهما صحيح.
[7] في (ب): (الحروف).