التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب من رأى العدو فنادى بأعلى صوته يا صباحاه حتى يسمع الناس

          قوله: (بَابُ مَنْ رَأَى الْعَدُوَّ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا صَبَاحَاهْ): ذكر ابنُ المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثمَّ قال: (موضعُها مِنَ الفقه: أنَّ هذه الدَّعوةَ ليست مِن دعوى الجاهليَّة المنهيِّ(1) عنها، إمَّا لأنَّها استغاثةٌ على الكفَّار، وإمَّا لأنَّها عامَّةٌ(2) لا يُنتَدبُ فيها قبيلةٌ مخصوصةٌ) انتهى.
          قوله: (يَا صَبَاحَاهْ) في التَّرجمة والحديث: بفتح الصَّاد المهملة، ثمَّ موحَّدة، وبعد الألف حاءٌ مهملةٌ، وبعد الألف الثانية هاءٌ ساكنةٌ، قال ابنُ الأثير: (هذه كلمةٌ يقولها المستغيث، وأصلها: إذا صاحوا للغارة؛ لأنَّهم أكثر ما يغيرون عند الصَّباح، ويسمُّون يومَ الغارة يومَ الصَّباح، فكأنَّ القائل: «يا صباحاه» يقول: قد غَشِيَنا العدوُّ، وقيل: إنَّ المتقاتلين كانوا إذا جاء اللَّيل؛ يرجعون عن القتال، فإذا عاد النَّهار؛ عاودوه، فكأنَّه يريد بقوله: «يا صباحاه»: قد جاء وقت الصباح، فتأهَّبوا للقتال)، انتهى، وقال شيخُنا: (قال ابنُ المُنَيِّر: الهاء للنُّدبة، وهي تسقط وصلًا، والرِّواية إثباتُها، فتقف على الهاء).
          فائدةٌ: هذه القصَّة هي غزوة الغابة، ويقال لها: غزوة ذي قَرَد؛ بفتح القاف والرَّاء، وحكى السُّهيليُّ عن أبي عليٍّ الضَّمَّ فيهما، قال السُّهيليُّ: (و«القرد» في اللُّغة: الصُّوف الرَّديء)، انتهى، وهو ماءٌ على ليلتين من المدينة، بينها وبين خيبر، ويقال: ذو القَرَد، وقال بعضهم: (ذو قَرَد على نحو يوم من المدينة)، وقال مغلطاي في «سيرته»: (على بريد من المدينة)، انتهى، وسأذكر ذلك في (غزوة ذي قَرَد) قبل (خيبر) [خ¦64/37-6127]، وكانت غزوة ذي قَرَد بعد غزوة بني لحيان، وكانت غزوة بني لحيان لغرَّة هلال شهر ربيع الأوَّل سنة ستٍّ، وقال ابن إسحاق: (خرج النَّبيُّ صلعم في جمادى الأولى على رأس ستَّة أشهر من فتح قريظة)، وقال ابن إسحاق: (ثمَّ قدم رسولُ الله صلعم المدينةَ، فلم يقم إلَّا لياليَ قلائلَ حتَّى أغار عُيَينة بن حِصن بن حُذَيفة بن بدر الفَزاريُّ في خيلٍ من غطفان على لقاح رسول الله صلعم)، وقال ابنُ سعدٍ: (إنَّ غزوة ذي قَرَد هذه في شهر ربيع الأوَّل سنة ستٍّ من الهجرة ليلةَ الأربعاء).


[1] في (ب): (للنهي).
[2] في (ب): (علامة)، وهو تحريفٌ.