التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب السمر مع الضيف والأهل

          ░41▒ باب السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالأَهْلِ.
          602- ذكر فيه حديث عبد الرَّحمن بن أبي بكرٍ: إنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا ناسًا فُقَرَاءَ، وَإنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أربعةً فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ). الحديث بطوله.
          والبخاريُّ أوردَه مطوَّلًا ومختصرًا في مواضع، منها هنا وعلامات النُّبوة والأدب، وأخرجه مسلمٌ في الأطعمة، وهو ظاهرٌ لِما ترجم له هنا، وهو السَّمر مع الضَّيف والأهل، وهو مِن السَّمر المباح، وتلك كانت أخلاقهم وأحوالهم، فإنَّه قَالَ لزوجته: أَوَما عشَّيتهم؟، ويا أخت بني فراسٍ، وَقَالَ لولده: يا غُنثَر. وَقَالَ لأضيافه: كلوا.
          ثمَّ الكلام عليه مِن وجوهٍ:
          أحدها: (الصُّفَّة): موضعٌ مظلَّلٌ مِن المسجد كان للمساكين والمهاجرين والغرباء يأوون إليه، ويُقال لهم أيضًا: الأوفاض. وذكرهم صاحب «الحِلية» وعدَّ منهم مائةً ونيِّفًا.
          ثانيها: قوله: (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ) هذا هو الصَّواب، وهو أصحُّ مِن رواية مسلمٍ: ((فليذهب بثلاثةٍ)) لأنَّ ظاهرها صيرورتهم خمسةً، وحينئذٍ لا يمسك رمَق أحدٍ، بخلاف الواحد مع الاثنين، فتأُوِّل على أنَّ المراد: فليذهب بتمام ثلاثةٍ كما قَالَ تعالى: {وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} [فصلت:10] أي: في تمامها، فطعام الواحد كافي الاثنين، وطعام الاثنين كافي الثلاثة كما صحَّ في الخبر، والكفاية غير الشِّبَع، فتأمَّله.
          ثالثها: قوله: (وإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ): (أو) هنا للتنويع، وقيل: للإباحة. وفي مسلمٍ: ((مَن كان عنده طعامُ أربعةٍ فليذهب بخامسٍ بسادسٍ)). ووجه ذلك أنَّ تشريك الزائد على الأربعة لا يضرُّ بالباقين، وكانت المواساة إذ ذاك واجبةً لشدَّة الحال، وزاد صلعم واحدًا واحدًا رفقًا بصاحب العِيال، وضيق معيشة الواحد والاثنين أرفق بهم مِن ضيق معيشة الجماعات.
          رابعها: فيه فضيلة الإيثار والمواساة، وأنَّه عند كثرة الأضياف يوزِّعهم الإمام على أهل المحلَّة، ويعطي لكلٍّ منهم ما يعلم أنَّه يحتمله، ويأخذ هو ما يمكنه، ومِن هذا أخذ عمرُ ☺ فعلَه في عام الرَّمادة إذ كان يلقي على أهل كلِّ بيتٍ مثلهم مِن الفقراء، ويقول: لن يهلك امرؤٌ عن نصف قُوته. وكانت الضرورة ذلك العام أشدُّ، وقد تأوَّل سفيانُ بن عُيَينةَ في المواساة في المسغَبة قولَه تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة:111] ومعناه: أنَّ المؤمنين يلزمهم القُربة في أموالهم لله تعالى عند توجُّه الحاجة إليهم، ولهذا قَالَ كثيرٌ مِن العلماء: إنَّ في المال حقًّا سوى الزكاة، وورد أيضًا في التِّرمذيِّ مرفوعًا.
          خامسها: قوله: (وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صلعم بِعَشَرَةٍ) هذاِّ مبيِّنٌ لِمَا كان عليه الشارع مِن الأخذ بأفضل الأمور والسَّبق إلى السَّخاء والجود، فإنَّ عياله ◙ كانوا قريبًا مِن عدد ضيفانه هذه الليلة، فآسى بنصف طعامه أو نحوه، وآسى أبو بكرٍ بثلث طعامه أو أكثر. قَالَ _يعني: عبد الرَّحمن بن الصِّدِّيق_: فهو أنا وأبي وأمِّي. ولا أدري هل قَالَ: وامرأتي وخادمٌ.
          سادسها: أمُّه أمُّ رومان، بضم الرَّاء وفتحها. قَالَ السُّهَيليُّ: اسمها: دَعْدٌ. وَقَالَ غيره: زينب، وهي مِن بني فراسِ بن غُنْم بن مالك بن كِنانة.
          سابعها: قوله: (وَخَادِمٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ) كذا في الرَّواية، وفي أخرى: <بينَ بيتِنا وبيتِ أبي بكرٍ>.
          ثامنها: قوله: (وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ رسولِ الله صلعم) فيه فوائدُ:
          الأولى: أكل الصَّدِيق عند صديقه.
          الثانية: جواز مَن عندَه ضيفانٌ أن يُقبل على مصالحه وأشغاله إذا كان له مَن يقوم بأمورهم كما كان للصِّدِّيق.
          الثالثة: ما كان عليه الصِّدِّيق مِن الحبِّ لرسول الله صلعم، والانقطاع إليه وإيثاره في ليله ونهاره على الأهل والولد والضَّيف وغيرهم.
          تاسعها: قوله: (ثُمَّ لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتِ العِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ) كذا في روايةٍ. وفي أخرى: <حَتَّى صلَّى العشاءَ ورجعَ> بالجيم، وفي «صحيح الإسماعيليِّ»: ((رَكَعَ)) بالكاف.
          وقوله: (فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ صلعم) في مسلمٍ: ((حَتَّى نعَس)) بدل (تعشَّى)، وهو ظاهرٌ.
          عاشرها: قوله: (قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ _يعني أمُّ رُومان_: مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ) فيه أنَّ الحاضر يرى ما لا يرى الغائب، فإنَّها ♦ لمَّا رأت أنَّ الضِّيفان تأخَّروا عن الأكل تألَّمت لذلك، فبادرت حين قدم تسأله عن سبب تأخُّره عن مثل ذلك. وامتناعُ ضيفانه مِن الأكل أدبًا ورفقًا به لظنِّهم أنَّه لا يجد عَشاءً، فصبروا حَتَّى يأكل معهم.
          وفيه: إباحة الأكل للضيف في غَيبة صاحب المنزل، وأن لا يمتنعوا إذا كان قد أذِن في ذلك؛ لإنكار الصِّدِّيق في ذلك.
          الحادي عشر: قولها: (قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عَرَضُوا فَأَبَوْا) قَالَ ابن التِّين: أي: عرضُوا _أهلُ الدَّار_ فأبى الضِّيفان. وفي روايةٍ: ((فعرضنا عليهم)) ويُروى: <عُرِضوا> بضمِّ العين وهو ما ضبطه به عِياضٌ أي أُطعِموا. والعُراضة _بضمِّ العين_ الهديَّة. قَالَ ابن التِّين: ويُروى بصادٍ مهملة، ولا أعلم له وجهًا. قَالَ بعض شيوخنا: يُحتمل أن يكون مِن عَرِصَ بمعنى نشط، قاله ابن التَّيَّانيِّ، فكأنَّه يريد أنَّ أهل البيت نشطوا في العزيمة عليهم.قلت: وفي «الصَّحاح»: العَرَص _بالتَّحريك_ النَّشاط، وعرِص الرَّجل _بالكسر_ نشط، عن الفرَّاء. /
          وفيه: أنَّ الولد والأهل يلزمهم الاحتفال بالأضياف مثلما يلزم صاحب المنزل، فإنَّهم عرضوا على الأضياف الطَّعام فامتنعوا.
          الثاني عشر: (قَالَ _يَعْنِيْ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ_: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ) اختباؤه للخوف مِن خصام أبيه له؛ لأنَّ المنزل لم يكن فيه رجلٌ غيره يباشر الأضياف، ولأنَّه كان أوصاه بهم.
          الثالث عشر: قوله: (يَا غُنْثرُ) هو بغينٍ معجمةٍ مضمومةٍ ثمَّ نونٍ ثمَّ مثلَّثةٍ ثمَّ راءٍ، والمثلَّثة مفتوحةٌ ومضمومةٌ لغتان، هذا هو المشهور في ضبط هذه اللفظة. وقيل: بالعين المهملة المفتوحة، وبالمثناة فوقُ مفتوحةً، والصَّحيح الأوَّل _كما قاله صاحب «المطالع» _ ومعناه: يا لئيمٌ، يا دنيٌّ، والغُنثَر: الذُّباب، وقيل: يا أحمقُ، وقيل: الوَخِم. وقيل: الجاهل مِن الغَثارة، وهي الجهل، والنُّون زائدةٌ. وقيل: مأخوذٌ مِن الغَثر وهو السُّقوط، وقيل: السَّفيه، وحاصله كلُّه ذمٌّ وتنقيصٌ يقوله الغضبان عند ضيق صدره. وأمَّا الثاني فقيل: الذُّباب. وقيل: الأزرق منه، شبَّهه به تحقيرًا له وشِدَّة أذاه.
          الرابع عشر: قوله: (فَجَدَّعَ) هو بالجيم والدَّال المهملة المشدَّدة، ومعناه: دعا عليه بقطع الأنف أو الأذن أو الشَّفة، وهو بالأنف أخصُّ، وإذا أُطلق غلبَ عليه. وقيل: معناه السبُّ وهو الشَّتم، وهو بعيدٌ لقوله: (جَدَّعَ وسَبَّ) فيؤدِّي إلى التكرار، وقيل المجادعة: المخاصمة. وعند المَروزيِّ بالزَّاي بدل الجيم، وهو وهمٌ كما قاله صاحب «المطالع». وكلُّ ذلك مِن الصِّدِّيق على عبد الرَّحمن على ظنِّ أنَّه فرَّط في الأضياف، فلمَّا بان له خلافه وأنَّ المنع منهم أدَّبهم بقوله: (كُلوا لا هَنِيئًا)، وحلفَ لا يطعمُه.
          وَقَالَ النَّوويُّ: إنَّما قَاله لِما حصل له مِن الحرج بتركهم العَشاء بسببه. وقيل: إنَّه ليس بدعاءٍ إنَّما هو خبرٌ، أي: لم يتهنَّوا به في وقته وذكره ابن بطَّالٍ، وغيره أنَّه إنَّما خاطب بذلك أهله لا أضيافه. ويحتمل أن يكون سبب حلفه تحكُّمهم على ربِّ المنزل بالحضور كما جاء في روايةٍ: ((لا نأكل إلَّا بمحضرٍ مِن أبي بكرٍ)) وحملهم على ذلك صدقُ رغبتهم في التَّبرُّك بمؤاكلته وحضوره معهم.
          الخامس عشر: قوله: (وَايْمُ اللهِ) ألف (ايم) ألف وصلٍ، وقيل: قطعٌ، وخُفِّفت وطُرحت في الوصل لكثرة الاستعمال، وهي حلفٌ وُضع للقسم، ولم يجِئ في الأسماء ألف وصلٍ مفتوحة غيرها. ويُقال بفتح الهمزة وكسرها، وبحذف الياء يُقال: امُ الله، والهمزة فيُقال: مُ الله، ثمَّ تُكسر لأنَّها صارت حرفًا واحدًا، فقالوا: مِ الله، ويُقال: ايمُن الله، بضمِّ الميم وزيادة نونٍ مضمومةٍ. وربَّما قالوا: مُنُ الله بضمِّ الميم والنُّون، وبفتحهما وبكسرهما. قَالَ أبو عُبَيدة: والأصل فيه: يمينُ الله، ثمَّ جمع يمينٌ على أيمُنٍ وحلفوا به فقالوا: ايمُن، ثم كثُر في كلامهم، وحُلف على ألسنتهم. ولخَّص في «التسهيل» فيها تسعَ لغاتٍ: ايمن الله، بتثليث النُّون، وكذا: منُ الله، ومُ مثلها. قَالَ: وليست الميم بدلًا مِن: أو، ولا أصلها: مِن، خلافًا لمَن زعم ذلك، ولا ايمُنُ جمع يمينٍ، خلافًا للكوفيِّين.
          السادس عشر: قوله: (رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ) أي ارتفع وزاد الطعام، وأكثر _بالمثلَّثة وبالموحَّدة_ فأزال الله تعالى النَّكدَ الَّذي كان حصل، وأبدله بهذِه الكرامة، فعاد سرورًا وانقلب الشَّيطان خاسئًا مدحورًا، وعاد الصِّدِّيق إلى مكارم أخلاقه، وحنَّث نفسه لِما رأى مِن رجحانه وأكل معهم، فطابت النُّفوس. ففيه إذَن كرامةٌ ظاهرة للصِّدِّيق، وإثبات كرامات الأولياء.
          السابع عشر: قوله: (حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ) أكثر بالمثلَّثة وبالموحَّدة أيضًا، كما سلف.
          وقوله: (يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ) قَاله الصِّدِّيق لامرأته أمِّ رُومان، ومعناه: يا مَن هي مِن بني فراسٍ، وفراسٌ: هو ابن غُنْم بن مالك بن كِنانة كما سلف. قَالَ عياضٌ: واختُلِف في انتسابها إلى غُنْمٍ اختلافًا كثيرًا، وهل هي مِن بني فِراس بن غُنم، أو مِن بني الحارث بن غُنْمٍ؟ وهذا الحديث يصحِّح كونها مِن بني فراس بن غُنْمٍ.
          الثامن عشر: قولها: (لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي) قرَّة العين يُعبَّر بها عن المسرَّة ورؤية ما يحبُّه الإنسان ويوافقه لأنَّ عينه تقرُّ لبلوغه أُمنيَّته، فيكون مأخوذًا مِن القرار، وقيل: مأخوذٌ من القُرِّ _بالضمِّ_ وهو البردُ. أي إنَّ عينه باردةٌ لسرورها وعدم مُقلِقها.
          قَالَ الأصمعيُّ وغيره: أقرَّ الله عينه، أي: أبرد دمعته؛ لأنَّ دمعة الفرح باردةٌ ودمعة الحزن حارَّةٌ. واعترض أبو العبَّاس على الأصمعيِّ _فيما نقله القزَّاز_ وَقَالَ: بل كلُّ دمعٍ حارٌّ.
          ومعنى القُرَّة: رضا النَّفس. قَالَ الدَّاوديُّ: أرادت بقُرَّة عينها النَّبِيَّ صلعم، فأقسمت به. وَقَالَ القرطبيُّ: أقسمت لِما رأت مِن قُرَّة عينها بكرامة الله تعالى لزوجها، و(لا) في قولها: (لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي) زائدةٌ ويحتمل أن تكون نافيةً، وفيه محذوفٌ، أي: لا شيءَ غير ما أقول، وهو قرَّة عيني.
          التاسع عشر: قوله: (إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ) وفي روايةٍ: ((بسم الله الأُولى مِن الشَّيطان)) يعني: يمينَه، فأخزاه الصِّدِّيق بالحِنث الَّذي هو خير.
          وقوله: (ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى رسول الله صلعم) فيه: أنَّ الصَّدِيقَ إذا وقع له شيءٌ مِن البركات أن يُهدي إلى صديقه مِن ذلك، وجاء في بعض طرق الحديث أنَّه صلعم أكل منها.
          العشرون: قوله: (فَفَرَّقَنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا) كذا هو في البخاريِّ بفاءٍ مكرَّرة وقافٍ، مِن التَّفريق. أي: جعل كلَّ رجلٍ مع اثني عشر فرقةً، وهو كذلك في كثيرٍ مِن نسخ مسلمٍ، وفي معظمها: ((فعرَّفنا)) بالعين وتشديد الرَّاء، وُروي بفتح الفاءِ، ورُوي: ((فتعرَّفَنا)) أي: جعلنا عُرفاءَ نُقباءَ على قومهم، وسُمُّوا عُرفاء لأنَّهم يُعرِّفون الإمام أحوال جماعاتهم.
          وقوله: (اثْنَا عَشَرَ) كذا هو في البخاريِّ وبعض نسخ مسلمٍ، وفي بعضها: ((اثنَي عشر)) وكلاهما صحيحٌ، والأول: جارٍ على لغة مَن جعل المثنَّى بالألف في الأحوال الثلاثة، وهي لغة قبائلَ مِن العرب؛ قَالَ تعالى: {إِنَّ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} [طه:63]، وَقَالَ ابن التِّين عن بعضهم: لعلَّ ضَبطَ (ففُرِّقنا): بضمِّ الفاء _يعني: الثانية_ويكون (اثنا عشر) ارتفع على أنَّه مبتدأٌ وخبرُه: (مع كلِّ رجلٍ منهم أناسٌ).
          خاتمة في فوائد الحديث غير ما سبق منها:
          أنَّ للرَّجل أن يسبَّ ولده وأهله على تقصيرهم ببرِّ أضيافه، وأن يغضب لذلك.
          ومنها: أنَّ الأضياف ينبغي لهم أن يتأدَّبوا وينتظروا صاحب الدَّار، ولا يتهافتوا على الطعام دونه.
          ومنها: أنَّ / إتيان الَّذي هو خيرٌ مع التَّكفير؛ فإنَّ الطَّعام الَّذي ظهرت بركته الأكل منه خيرٌ، وقد نهى الشَّارع عن الأيمان في ترك البِرِّ والتَّقوى وفعل الخير، ومِن هنا حنَّث الشَّارع والصَّالحون أنفسَهم، قَالَ تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا} الآية [البقرة:224]. وحنَّث الشَّارع نفسَه في الشَّراب الَّذي شربه في بيت زوجته، وحنَّث الصِّدِّيق نفسه أيضًا في قصة مِسطَحٍ.
          ومنها: إثبات كرامات الأولياء.
          ومنها: أنَّ الصَّدِيق الملاطف يجمُل به أن يُهدي إلى الجليل مِن إخوانه يسيرَ الهديَّة وغير ذلك.