التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب تضييع الصلاة عن وقتها

          ░7▒ باب تَضْيِيِعِ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا.
          529- 530- ذكر فيه عن أنسٍ قَالَ: (مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ على عَهْدِ رسول الله صلعم. قيلَ: الصَّلاَةُ. قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ صنعتم مَا صنعتم فِيهَا؟).
          وعن الزُّهْرِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ على أَنَسٍ بِدِمَشْقَ، وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: (لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إلَّا هذه الصَّلاَةَ، وهذِه الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ). وَقَالَ بَكْرُ بن خلَفٍ: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ... إلى آخره. الكلام عليه مِن أوجهٍ:
          أحدها: هذا الحديث من أفراد البخاريِّ، وهذا التَّعليق وصلَه الإسماعيليُّ، فقَالَ: أخبرنا محمودُ بن محمَّدٍ الواسطيُّ، حدَّثنا أبو بِشرٍ بكرُ بن خلَفٍ، وأبو نُعيمٍ عن أبي بكرِ بن خلَّادٍ، حدَّثنا أحمدُ بن عليٍّ الخزَّاز، حدَّثنا بكرُ بن خلَفٍ ختنُ المقرئ، فذكره.
          ثانيها: قوله: (أَلَيْسَ قَدْ صَنَعْتُمْ؟) قَالَ صاحب «المطالع»: رواية العُذْرِيِّ بالصَّاد المهملة، ورواية النَّسَفيِّ بالمعجمة ثمَّ مثنَّاةٍ تحت. قَالَ: والأوَّل أشبهُ، يريد ما أحدثوا مِن تأخيرها. إلَّا أنَّه جاء في نفس الحديث ما يبيِّن أنَّه بالضَّاد المعجمة، وهو قوله: (ضُيِّعتْ). قَالَ المهلَّب: هو تأخيرها عن الوقت المستحبِّ لا أنَّهم أخرجوها عن وقتها كلِّه، قَالَ تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم:59] قيل: ما ضيَّعوها بأن تركوها، / فإنَّهم لو تركوها كانوا كفَّارًا. وقال ابن الجوزيِّ: الظَّاهر مِن أنسٍ أنَّه كان يشير إلى ما كان يصنع الحجَّاج، فإنَّه كان يؤخِّر صلاة الجمعة جدًّا متشاغلًا بمدح مستنيبه وما يتعلَّق به. وقد جاء في «صحيح البخاريِّ» أيضًا عن أنسٍ: ((أنَّه قدمَ المدينةَ، فقيلَ لَه: ما أنكرْتَ منَّا مذْ يوم عهدْت رَسُولَ الله صلعم؟ قَالَ: ما أنكرْتُ شيئًا إلَّا أنَّكم لا تُقيمونَ الصُّفوفَ)). ذكره في باب: إثم مَن لم يتمَّ الصُّفوف كما سيأتي. وكأنَّ أنسًا أنكر على أهل كلِّ بلدٍ بما رآه، فأهل الشَّام بالتَّأخير، وأهل الحجاز بعدم إقامة الصَّفِّ.
          ثالثها: دِمشقُ _بكسر الدَّال وفتح الميم وكسرها أيضًا_ مدينةٌ معروفةٌ، ذكر ابن عساكر تاريخَها فأطنب.