التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من نسى صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة

          ░37▒ باب مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، وَلاَ يُعِيدُ إلَّا تِلْكَ الصَّلاَةَ.
          597- ذكر فيه أثرًا وحديثًا مِن طريقين عن أنسٍ ☺.
          أمَّا الأثر فقال: وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: مَنْ تَرَكَ صَلاَةً واحِدَةً عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يُعِدْ إلَّا تِلْكَ الصَّلاَةَ الوَاحِدَةَ.
          ذكر الدَّاوديُّ _فيما حكاه عنه ابن التِّين_ عن الحسَن أنَّه قَالَ: يعيد ما بعدها. وهذا إذا تركها ناسيًا فيعيدها / وما أدرك وقته عند مالكٍ وإنْ كان ذاكرًا لها وصلَّى صلواتٍ كثيرة، ففي «المدوَّنة»: يعيدها وحدها. وشذَّ بعض النَّاس فقال: لا يقضي كما ستعلمه.
          وأمَّا الحديث: فأخرجه مِن طريق همَّامٍ عن قتادةَ عن أنسٍ عن النَّبِيَّ صلعم قَالَ: (مَنْ نَسِي صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ، {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]).
          ثمَّ قَالَ: وَقَالَ حَبَّانُ: حدَّثَنَا هَمَّامٌ، حدَّثَنَا قَتَادَةُ، حدثَنَا أَنَسٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم، نَحْوَهُ. وهذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا والأربعة. وساق الثانية تعليقًا للتصريح بالسَّماع. وفي النَّسائيِّ عن ابن شهاب أنَّه كان يقرأ: ((لِلذِّكْرَى)).
          ثمَّ الحديث دالٌّ على وجوب القضاء على النَّائم والنَّاسي، كثُرت الصَّلاة أو قلَّت، وهذا مذهب العلماء كافَّةً. وشذَّ بعضهم فيمن زاد على خمس صلواتٍ أنَّه لا يلزمه قضاءٌ، حكاه القرطبيُّ، ولا يُعبأ به، فإنْ تركَها عامدًا فالجمهور على وجوب القضاء أيضًا إلَّا ما حُكي عن داودَ وجمعٍ يسيرٍ، عدَّدهم ابن حزمٍ، منهم خمسةٌ مِن الصَّحابة، وأطال ابن حزمٍ في المسألة وأفحش كعادته.
          احتجَّ الجمهور بالقياس على النَّاسي، وهو مِن باب التَّنبيه بالأدنى على الأعلى، ومَنْ نفى القياس فغيرُ معتدٍّ بخلافه، وقد قَالَ صلعم: ((فليصلِّها إذا ذكرَها)) والعامد ذاكرٌ لها. ثمَّ المراد بالنِّسيان: التَّرك، سواءٌ كان مع ذهولٍ أو لم يكن، قَالَ تعالى: {نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67] أي: تركوا معرفته وأمره فتركهم في العذاب.
          ثمَّ الكفَّارة إنَّما تكون عن ذنبٍ غالبًا، والنَّائم والنَّاسي ليس بآثمٍ، فتعيَّن العامد. وقوله تعالى: ({أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]): لتذكُرَني فيها، على أحد التأويلات، وأيضًا القضاء يجب بالخطاب الأوَّل، وخروج وقت العبادة لا يُسقط وجوبها لأنَّها لازمةٌ في الذِّمَّة كالدَّين، وإنَّما تسقط بفعلها ولم يوجد.
          وبالقياس على قضاء رمضان، وهذا يؤول إلى إسقاط فرض الصَّلاة عن العباد، وقد ترك صلعم العصر وغيرها يوم الخَندق لشغل القتال ثمَّ أعادها.
          وقوله: (لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ) أي فعلها لا غير، ولا تخالف بينه وبين الحديث الآخر: ((ليس في النَّوم تفريطٌ)) وحديث: ((وضعَ الله عن أمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ))؛ فإنَّ الكفَّارة قد تكون مع الخطأ كما في قتل الخطأ.
          وقوله: (إِذَا ذَكَرَ) يحتجُّ به مَن يقضي الفوائت في الوقت المنهيِّ عن الصَّلاة فيه.
          وقوله: ({أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]) هو عامٌّ في كلِّ الأوقات، وبيِّنةٌ على ثبوت هذا الحكم وأخذه مِن الآية الَّتي تضمنَّت الأمر لموسى ◙ بذلك، وأنَّ هذا يلزمه اتِّباعه فيه.
          والمراد بالذكرى: تذكُّرها، هذا هو الظَّاهر لأنَّه احتجَّ بها على مَن نام عن صلاةٍ أو نسيها. وَقَالَ مجاهدٌ: لتذكُرَني فيها، وقد سلف. وقيل: إذا ذكرتني، وقد سلف أنَّه قُرِئ: {للذِّكرى}، ووجه إضافة الذكرى إلى الله تعالى أنَّ الصَّلاة عبادةٌ له، فمتى ذكرها ذكر المعبود، وهذه القراءة أشبه بالتَّأويل الأوَّل، وكأنَّه أراد: لذكرِها، فنابت عن الضمير.