التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب المصلى يناجى ربه

          ░8▒ باب المُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ.
          531- 532- ذكر فيه حديث أنسٍ في المصلِّي يناجي ربَّه وفي البُزاق تحت القدم اليسرى.
          وقد سلفَ مرَّاتٍ في باب: حكِّ البزاق باليد من المسجد وغيره [خ¦405]. ثمَّ قَالَ: حدَّثنا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: (ولاَ يَتْفِلُ قُدَّامَهُ...) الحديث، وهذا في بعض النُّسخ كما قاله بعضُ مَن ألَّف في الأطراف.
          ثمَّ قَالَ: (وَقَالَ شُعْبَة: لاَ يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ...) الحديث، وهذا قد وصله مرَّةً أخرى.
          ثمَّ قَالَ: (وَقَالَ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ عَنِ رَسُولُ الله) وهذا سلفَ متَّصلًا فيما أشرنا إليه [خ¦405].
          والمناجي: المخاطب، والمناجاة: المحادثة، أصلُه مِن النَّجوة، وهو ما ارتفع مِن الأرض، وكأنَّ المناجي يرتفع هو والمناجَى منفردين عن غيرهما. ولا شكَّ أن وقوف العبد في العبادة على نحو وقوف الخادم بين يدي مالكه فينبغي له مراعاة الأدب.
          ثمَّ الحديث دالٌّ على تفضيل الصَّلاة على سائر الأعمال؛ لأنَّ المناجاة لا تحصل إلَّا فيها خاصَّةً، فينبغي استحضار النِّيَّة، ولزوم الخشوع، وترك العارض. وما أحسن قول بعض الصَّالحين: إذا قمت إلى الصَّلاة فاعلم أنَّ الله مقبلٌ عليك، فأقبلْ على مَن هو مُقبلٌ عليك وقريبٌ منك وناظرٌ إليك. فإذا ركعت فلا تأمل أن ترفع، وإذا رفعت فلا تأمل أنَّك تضَع، ومَثِّل الجنَّة عن يمينك والنَّار عن شمالك والصِّراط تحت قدميك، فحينئذٍ تكون مصليًا.
          وقوله: (وَلاَ يَتْفِلَنَّ) قَالَ ابن التِّين: رُوِّيناه بضمِّ الفاء وكسرها. قَالَ: والتَّفلُ أقلُّ من البَزْقِ.
          وقال ابن الجوزيِّ: المراد بقوله: (لا يتْفُلنَّ) لا يبصقنَّ. وقال ابن الأثير: التَّفل نفخٌ معه أدنى بزاق. وقال الجَوهريُّ: التَّفل شبَهٌ بالبزق وهو أقلُّ منه، أوَّله البُزاق ثمَّ التَّفل ثمَّ النَّفث ثمَّ النَّفخ.
          وقال صاحب «المطالع»: (ثمَّ يتفِل): بكسر الفاء، والتَّفل بسكونها وفتح الفاء هو: البصاق القليل. والتَّفَل بفتح التاء والفاء: البزاق نفسُه، وكذلك الرَّائحة الكريهة، ومنه قوله: ((وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ)) أي: غير متطيِّباتٍ.
          وقوله صلعم: (اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ...) إلى آخره، يأتي الكلام عليه في باب: لا يفترش ذراعيه في السُّجود.