التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب النوم قبل العشاء لمن غلب

          ░24▒ باب النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ.
          569- ذكر فيه حديث عَائِشَةَ: (أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلعم بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ...) الحديث.
          وقد سلف في باب: فضل العِشاء [خ¦566]. و(أبو بكرٍ) المذكور في إسناده هو: ابن أبي أُوَيسٍ، عن (سليمانَ) وهو ابن بلالٍ.
          وذكر أيضًا فيه حديث ابن عُمر: (أَنَّ رَسُولَ الله صلعم شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً، فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي المَسْجِدِ...) الحديث، وفي آخره أنَّ ابن عمرَ كان يرقُدُ قبلها. وأخرج مسلمٌ بعضه.
          ثمَّ عقب البخاريُّ ذلك محيلًا على ما قبله بأن قَالَ: قَالَ ابن جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ _يعني ابن أبي رباحٍ_ فقَالَ: سَمِعْتُ ابن عَبَّاسٍ يَقُولُ: ((أَعْتَمَ رَسُولُ اللهِ صلعم لَيلَةً بِالْعِشَاءِ...)) إلى آخره. وأخرجه أيضًا في التَّمنِّي مِن حديث سفيانَ عن عمرٍو، وَقَالَ أبو عبد الله هناك: قَالَ عمرٌو: وحديث عطاءٍ ليس فيه ابن عبَّاسٍ.
          وَقَالَ الإسماعيليُّ: حديث عمرٍو عن عطاء مرسلٌ. وذكر المهلَّب بن أبي صُفرةَ وأبو نُعيمٍ الأصبهانيُّ في كتابيهما أنَّ البخاريَّ روى حديث عطاءٍ هذا بسند حديث ابن عمرَ، وأخرجه مسلمٌ عن محمَّد بن رافعٍ عن عبد الرَّزَّاق عن ابن جُرَيجٍ عن عطاءٍ مفردًا مفصولًا مِن حديث نافعٍ بلفظِ: عن ابن جُريجٍ، قلت لعطاءٍ: أيُّ حينٍ أحبُّ إليك أن أصلِّيَ العِشاء؟ قَالَ: سمعت ابن عبَّاسٍ. وأخرجه النَّسائيُّ منقطعًا عن حديث ابن عمرَ، فأخرج حديث ابن عمرَ مِن حديث حجَّاجٍ عن ابن جُرَيجٍ، ثمَّ أورد بعده مِن حديث سفيانَ عن عمرٍو عن عطاءٍ عن ابن عبَّاسٍ.
          وعن ابن جُرَيجٍ عن عطاءٍ عن ابن عبَّاسٍ قَالَ: ((أخَّر النَّبِيُّ صلعم العشاءَ ذات ليلةٍ...)) الحديث، وفيه: ((فخرج النَّبِيُّ صلعم والماء يقطرُ مِن رأسه، وهو يقول: إنَّه للوقتُ، لولا أن أشقَّ على أمَّتي)) ولمسلمٍ في حديث ابن عمرَ: ((فخرجَ إلينا حين ذهبَ ثلُثُ اللَّيل أو بعده، فلا أدري أَشَيءٌ شغلَه في أهلِه أو غير ذلك)).
          ونومُ ابن عمر في حديثه قبل العشاء يدلُّ _والله أعلم_ أنَّه كان منه نادرًا إذا غلبه النَّوم، فكان يوكِّل مَن يوقظه على ما ذهب إليه بعض الكوفيِّين، وقد أسلفنا في الباب الماضي عنه أنَّه ربَّما رقد عن العِشاء [خ¦568]، ويأمر أن يوقظوه. فقوله: ربَّما، دالٌّ على أنَّه كان منه في النَّادر فيحتمل أنْ يفعله إذا أراد أن يجمِّع بأهله، أو لعذرٍ يمنعه مِن حضور الجماعة، ثمَّ يجمِّع بأهله.
          والنَّوم المذكور في الحديث، إنَّما هو نوم القاعد الَّذي تخفق رأسه لا نوم المضطجع، والدَّليل على ذلك أنَّه لم يُذكر أحدٌ مِن الرُّواة أنَّهم توضَّؤوا مِن ذلك النَّوم.
          ولا يدلُّ قوله: (ثُمَّ استيقظوا) على النَّوم المستغرق؛ لأنَّ العربَ تقول: استيقظ مِن سِنَته وغفلته، وإلى هذا ذهب الشَّافعيُّ في نوم الجالس الممكَّن، ويشبه أيضًا مذهب مالكٍ في مراعاته النَّوم الخفيف في كلِّ الأحوال لأنَّه ليس بحدثٍ، وهو ردٌّ على المزنيِ أنَّه حدثٌ؛ لأنه محالٌ أن يذهب على الصَّحابة ذلك فيصلُّوا بالنَّوم ولا يسألوا عن ذلك.
          وقد رُوِي عن ابن عمرَ وابن عبَّاسٍ وأبي أُمامةَ وأبي هُريرةَ أنَّهم كانوا ينامون قعودًا ولا يتوضَّؤون، فدلَّ على خفَّة ذلك. وأمَّا مَّا جاء عن أنسٍ أنَّهم حين كانوا ينتظرون رَسُولُ الله صلعم ناموا مضطجعين، ثمَّ صلُّوا ولم يتوضَّؤوا، ذكره الطَّبريُّ عن شُعبةَ عن قَتادةَ عن أنسٍ قَالَ: ((كان أصحابُ النَّبِيِّ صلعم ينتظرون الصَّلاة مع الرَّسول، فيضعُون جنوبَهم، ثمَّ يقومون فيصلُّون ولا يتوضَّؤون)). فظاهره أنَّه لا نقضَ بذلك، وهو قول أبي مُوسى الأشعريِّ وأبي مِجْلَزٍ وعمرِو بن دينارٍ. فقد جاء في حديث قَتادةَ عن أنسٍ ما هو دالٌّ لِما قلناه، وهو قوله: ((ثمَّ يقومُون فمنهم مَن يتوضَّأ، ومنهم مَنْ لا يتوضَّأ)) / ذكره الطَّبريُّ، فبان بذلك أنَّ النَّوم المستغرق ناقضٌ وأنَّ الخفيف لا ينقضُ، ويحمل ذلك على الحالتين، وقد سلف الكلام على حكم النَّوم في الطَّهارة مستوفًى.