التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الأذان بعد ذهاب الوقت

          ░35▒ باب الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الوَقْتِ.
          595- ذكر فيه حديث أبي قَتادةَ في نومه ◙ حَتَّى فاتت صلاة الصُّبح، ثمَّ قضاها لمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ.
          وفيه: (قُمْ فَآذِنِ النَّاسَ بِالصَّلَاةِ) وقد سلف في التَّيمُّم في باب: الصَّعيد الطَّيِّب يكفيه مِن الماء، مِن حديث عِمران بن حُصَينٍ [خ¦344]، وتكلَّمنا عليه هناك واضحًا فراجعه.
          والتَّعريس: النُّزول آخر اللَّيل، ونذكرُ هنا اختلاف العلماء في الأذان للفائتة، فذهب الإمام أحمدُ إلى جوازه، وهو قول أبي أيُّوب، واحتجَّا بهذا الحديث. وَقَالَ الكوفيُّون: إذا نسي صلاةً واحدةً وأراد أن يقضيها مِن الغدِ يؤذِّن لها ويقيم، فإن لم يفعل فصلاته تامَّةٌ. وَقَالَ الثَّوريُّ: ليس عليه في الفوائت أذانٌ ولا إقامةٌ. وَقَالَ محمَّد بن الحسَن: إن أذَّن فيه فحسنٌ، وإنْ صلَّاهنَّ بإقامةٍ إقامةٍ كما فعل الشَّارع يوم الخندق فحسنٌ. وَقَالَ مالكٌ والأوزاعيُّ: يُقيم للفائتة، ولم يذكروا أذانًا. وَقَالَ الشَّافعيُّ: يقيم لها ولا يؤذِّن في قوله الجديد، وفي القديم: يؤذِّن. والحديث يشهد له. واحتجَّ مَن منع بأنَّ الشَّارع يوم الخندق قضى الفوائت كلَّها بغير أذانٍ، وإنَّما أذَّن للعشاء الآخرة فقط؛ لأنَّها صاحبةُ الوقت.
          وفيه مِن الفقه مسائل أُخر:
          الأولى: أنَّه صلعم كان ينام أحيانًا كنوم الآدميِّين، وقد أسلفت الجمع بينه وبين حديث: ((إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي)) هناك فراجعه.
          الثانية: ادَّعى المهلَّبُ أنَّ الحديث دالٌّ أنَّ الصَّلاة الوسطى صلاة الصُّبح، وإنَّما أكِّدت المحافظة عليها لأجل هذه المعارضة الَّتي عرضت بالنَّوم عليه وعلى العسكر حَتَّى فاته وقتها، ويدلُّ على ذلك تأكيده بلالًا في السَّفر والحضر بمراقبة وقتها، ولم يأمره بمراقبة غيرها، ألا ترى أنَّه لم تفته صلاةٌ غيرها بغير عذرٍ شغله عنها. قلت: قد ورد أنَّه فاتته صلواتٌ كما سيأتي.
          الثالثة: قوله في الحديث: (فَاسْتَيْقَظَ رَسُول الله صلعم، وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ) وترْكُه للصَّلاة حَتَّى ابياضَّت الشَّمس، فيجوز أن يكون التَّأخير _كما قَالَ أهل الكوفة_ لأجل النَّهي عن الصَّلاة عند الطُّلوع. ويجوز أن يكون التَّأخير لأجل التأهُّب للصَّلاة بالوضوء وغيره، لا لأجل ذلك، وقد جاء هذا المعنى في بعض طرق الحديث، ذكره في كتاب الاعتصام في باب المشيئة والإرادة، وفيه: ((فقضوا حوائجهم وتوضَّؤوا إلى أنْ طلعت الشَّمس وابيضَّت فقام فصلَّى)).
          ويجوز معنى ثالثٌ قاله عطاءٌ، وهو أنَّه إنَّما أمرهم بالخروج مِن الوادي على طريق التَّشاؤم به، ووقعت الغفلة فيه كما نهى عن الصَّلاة بأرض بابلَ، وحِجر ثمودَ، وعن الوضوء بمائها، وهو مثل قوله صلعم في حديث مالكٍ عن زيد بن أسلَمَ: ((إنَّ هذا وادٍ به شيطانٌ))، فكره الصَّلاة في البقعة الَّتي فيها الشَّيطان؛ إذ كان السَّببَ لتأخير الصَّلاة عن وقتها، وادَّعى ابن وَهْبٍ وعيسى بن دينارٍ أنَّ خروجهم مِن الوادي منسوخٌ بقوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] وهو خطأ لأنَّ طه مكيَّةٌ وقصَّة نومه كانت بالمدينة، وممَّا يدلُّ عليه قول ابن مسعودٍ: بنو إسرائيلَ والكهف وطهَ ومريمُ والأنبياء هنَّ مِن العِتاق الأُوَل، وهنَّ مِن تِلادي، يعني: أنَّهنَّ مِن أوَّل ما حفظه مِن القرآن واستفاده. والتِّلاد: قديم ما يفيده الإنسان مِن المال وغيره.
          الرابعة: فيه حجَّةٌ لقول مالكٍ في عدم قضاء سنَّة الفجر، قَالَ أشهبُ: سُئل مالكٌ: هل ركع صلعم ركعتي الفجر حين نام عن صلاة الصُّبح حَتَّى طلعت الشَّمس؟ قَالَ: ما بلغني. وَقَالَ أشهبُ: بلغني أنَّه صلعم ركع. وَقَالَ عليُّ بن زيادٍ: وَقَالَه غير مالكٍ _وهو أحبُّ إليَّ_ أن يركع. وهو قول الكوفيِّين والثَّوريِّ والشَّافعيِّ، وقد قَالَ مالكٌ: إن أحبَّ أن يركعهما مَن فاتته بعد طلوع الشَّمس فعل.